#مؤسسة_رؤى_للدراسات
على النقيض من أسلوب “أبوة الهليكوبتر” القائم على المراقبة والتحكم واستعجال النمو؛ أو أسلوب “أبوة النمر” المُفعم بالصرامة؛ يأتي مصطلح “أبوة الفيل” الذي أضيف إلى معجم تربية الأطفال عام 2014، عندما استخدمته الكاتبة بريانكا شارما-سيندار في مقال لها بمجلة “ذي أتلانتيك” (TheAtlantic) الأميركية.
يتسم هذا الأسلوب التربوي بالنعومة والحنان، ويعطي الأولوية للسعادة والأمن العاطفي للطفل، مع تأكيد التعاطف والدفء والتشجيع، كعناصر أساسية لبناء وتعزيز الثقة بين الطفل ووالديه”.
وكشفت دراسات من جامعة كاليفورنيا عن أن المتعلمين من الآباء في الولايات المتحدة كانوا يقضون الكثير من الوقت مع أطفالهم على مدار 20 عاما الماضية.
هذا ما أكدته أيضا دراسة أجريت عام 2012، أظهرت أنه “بغض النظر عما قد يُبديه بعض الآباء من تشدد مع أطفالهم أحيانا فإنهم ينفقون الكثير من الوقت والجهد والمال عليهم، ربما أكثر من الأجيال السابقة”.
ووجدت هذه الدراسة أن الآباء “أنفقوا على تعليم أطفالهم ورعايتهم أكثر مما أنفقوه على السلع الاستهلاكية، من عام 1972 إلى عام 2007”.
هؤلاء الآباء لا يتشددون في التفاصيل، والمهم لديهم أن يبقى منزلهم دافئا وجذابا؛ ولا يقاومون الرغبة في الاهتمام بأي طفل يصادفونه في طريقهم. ورغم أن لديهم مخازن من التعاطف والصبر بلا حدود، فإنهم في الوقت نفسه يتحولون إلى قوة شرسة لا يستهان بها للدفاع عن أطفالهم إذا لزم الأمر، كما تقول الكاتبة جيمي كيني.
علامات اتباع نهج “أبوة الفيل”
استعرضت الدكتورة تيا كيم، الاختصاصية النفسية والخبيرة في العلاقات بين الوالدين والطفل؛ على موقع “بيورواو” (Purewow) العلامات التي تشير إلى ميل أحد الأبوين -أو كلاهما- للتعامل مع الأبناء بطريقة “أبوة الفيل”، ومن بينها:
لا يتحملون ترك الطفل يبكي، فمن غير المرجح أن يفلح الأبوان اللذان يتبعان نهج أبوة الفيل في السيطرة على الغريزة التي تدفعهما للإسراع إلى مواساة طفلهما عندما يبكي، بغض النظر عن وقت بكائه أو سببه. فآباء الفيل لا يميلون بطبيعتهم إلى دفع الطفل لاستخدام عادات التهدئة الذاتية، أو الاستسلام للصراخ حتى النوم، ويفضلون تشجيع أطفالهم على طلب المساعدة وقت ما يحتاجونها.
الأولوية القصوى عندهم لرعاية الطفل وحمايته؛ فعندما يسقط الطفل على أرض الملعب -على سبيل المثال- يهب أحد أبويه ليكون أول من يظهر على الساحة لتهدئته، ولا يتردد في حمله بين ذراعيه وتجفيف دموعه وتقبيله قبل أن يستأنف اللعب؛ وقد يسارع إلى فعل هذا حتى قبل معرفة إذا كان بحاجة للمساعدة فعلا أو لا.
لا يدفعون الطفل للنمو والاستقلال بشكل أسرع؛ فالأهم عندهم أن يشعر الأطفال بالراحة وعدم التردد في طلب المساعدة. لذا يتركونهم يتطورون وفقا لسرعتهم الخاصة، بينما يبقون هم دائما على أهبة الاستعداد لدعم الأطفال فورا عند الحاجة.
تقديم المشاعر وكلمات التشجيع والدعم على الإنجاز؛ فبالنسبة لآباء نمط الفيل التربوي، يُعد الإنجاز التعليمي أو الرياضي أقل أهمية من الحفاظ على مشاعر الطفل، لدرجة أن النتيجة السيئة في الاختبار قد تثير التعاطف أكثر من الغضب أو خيبة الأمل، وتُصبح الأولوية للاطمئنان على شعور الطفل، وتقديم كلمات التشجيع والدعم.
ترك الطفل ينام في فراشهم؛ فدائما يكون أداء آباء نمط الفيل التربوي دافئا ولطيفا مع أبنائهم، ولا يجدون غضاضة في تعلق الطفل بهم ونومه في فراشهم، سواء كان رضيعا أو دخل المدرسة، ويصعب عليهم تناول قطعة واحدة من دون مشاركته قضمة منها.
لا مكان للسرعة والقواعد الصارمة، فسعادة الطفل هي الشاغل الرئيسي، وعلى عكس أسلوب التربية الاستبدادي الذي يتضمن مطالب وعواقب؛ لا مكان للقواعد الصارمة والسريعة لدى آباء نمط الفيل التربوي، فهم يعتقدون أن من واجبهم التكيف مع احتياجات أطفالهم، لأن سعادة الأطفال شاغلهم الرئيسي. على سبيل المثال، إذا لم يتمكن الطفل البالغ من العمر 7 سنوات من تنظيف غرفته، فلن يُجبر على ذلك، بل سيكون التركيز مُنصب على محاولة تذليل هذه العقبة من أمامه.
يعود النوم مع الطفل بالكثير من الفوائد عليه حتى مع تقدمه في العمر، وهو ما يخالف اعتقاد الكثير من الآباء والأمهات.
ميزات نمط “أبوة الفيل” وعيوبه
رغم أننا نبحث عن أفضل الطرق لتربية أطفالنا، فإننا في النهاية ننجذب نحو ما هو منطقي بالنسبة لنا، “فلا يوجد والد مثالي، تماما كما لا يوجد طفل مثالي”، على حد قول الكاتبة بريانكا سيندار.
والأمر الذي لا خلاف عليه أن أساليب الأبوة والأمومة كافة يجب أن تدعم الأمن العاطفي للطفل وتساعده على الازدهار، كما تؤكد كيم التي ترى أن أي طريقة تعزز الثقة والطمأنينة، وتقوي العلاقة بينك وبين طفلك؛ ستكون أفضل لنموه وتطوره ونجاحه على المدى الطويل، في وقت تُظهر فيه الأبحاث أن عناصر الدفء والدعم والمتابعة الأبوية مرتبطة بالنتائج الإيجابية.
وإذا كان أكثر ما يُميز أسلوب أبوة الفيل المرونة والحساسية العاطفية اللازمتين لتأسيس رابطة قوية بين الوالدين والطفل، ومنح الأطفال مزيدا من الحرية لاستكشاف ذواتهم، وجعلهم سعداء”، تحذر كيم من أن يتحول هذا النمط الأبوي إلى عبء على الوالدين.
وتخبرنا كيم “أنه لا يوجد أسلوب تربية يخلو من عيوب، خاصة عند المبالغة فيه”. فعلى سبيل المثال، قد نجد الأطفال الذين ينشؤون على نمط أبوة الفيل “يعانون كثيرا من حقائق الحياة الصعبة عند مواجهة المواقف الحرجة، ويُفوّتون فرص التعلم من أخطائهم”.
وتوصي كيم بإعداد الأطفال للعالم الحقيقي من خلال الموازنة بين أنماط الأبوة المختلفة، بطريقة توفر بنية قوية، لكن مع التحلي ببعض المرونة.