مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المحلية في العراق، المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، يزداد القلق في الأوساط السياسية العراقية من قلة المشاركة الشعبية المتوقعة في هذه الانتخابات، ويُشير مراقبون إلى أن استغلال النفوذ السياسي والشعور باليأس ومواصلة قادة الأحزاب التقليدية السعي لنيل مناصب في مجالس المحافظات، التي ستنتج عن هذه الانتخابات، تؤدي لعزوف متزايد بين الناخبين عن المشاركة.
وتأتي هذه الانتخابات بعد عشرة أعوام على إجراء آخر انتخابات محلية في البلاد، في ظل تفشي البطالة وتدهور الأسواق بفعل انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار وزيادة ملحوظة في تنامي الفقر، وعدم إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت مع سيطرة الأحزاب النافذة على مقدرات الدولة والمناصب الهامة، ناهيك عن انهيار عامل الثقة ما بين الناخب والمرشح.
وقال مسؤول في المفوضية العليا للانتخابات إن “المفوضية تتوقع عزوفاً عن المشاركة بالانتخابات أكثر من أي انتخابات أخرى ماضية، حتى من قبل الناخبين الذين أقدموا على تحديث بياناتهم، وتسلموا البطاقات الانتخابية”، مضيفاً أن “قلة المشاركة في الانتخابات لا تؤثر في شرعية نتائجها، لكن يبقى الانتخاب حقا لا واجبا على العراقيين”.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “المفوضية على علم بالتفاوت في الدعاية الانتخابية وبعض الخروقات من قبل الأحزاب النافذة والمرشحين، وتم تشكيل لجان لمتابعة كل ما يتعلق بالمال السياسي واستغلال النفوذ بالتنسيق مع دائرة شؤون الأحزاب”، موضحاً أن “المفوضية عملت طيلة الأشهر الماضية على خفض نسبة المقاطعين، والدفع باتجاه المشاركة”.
وسبق أن دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، وقال الصدر موجهاً أتباعه إن “مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً، ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب”.
وفي السياق، قال رئيس كتلة “امتداد” في البرلمان العراقي، علاء الركابي، إن “الشعب العراقي بشكل عام ينظر إلى تجربة مجالس المحافظات على أنها تجربة فاشلة، وكانت إحدى بوابات الفساد ولم تنتج شيئاً، ونحن في حركة (امتداد) انسحبنا من انتخابات مجالس المحافظات”.
وأضاف الركابي أن “قانون الانتخابات تغيّر، وأصبحت كل محافظة دائرة واحدة وتم إعادة قانون سانت ليغو، الدائرة الواحدة، وإلغاء الدوائر المتعددة الذي يحقق مصلحة أحزاب السلطة ويكرس هيمنتها ويهمّش ويقزم دور الأحزاب والحركات الناشئة”، متوقعاً تدني “نسبة المشاركة في الانتخابات المرتقبة، وقد لا تتجاوز 10 بالمائة”.
وأوضح أن “سبب عزوف الناخبين يرجع إلى فقدان الأمل بحصول تغيير إيجابي في المستقبل المنظور، إضافة إلى أن الناخب العراقي بدأ يرى حجم الإعلانات والمال المسخر للانتخابات، وأن غالبية الأحزاب المشتركة قد تلوثت بالفساد، وأن بعض الأحزاب والمرشحين المدنيين هم في الحقيقة واجهات لأحزاب تقليدية، وأن تحالفات مثل “الإطار التنسيقي” اعتمدت تغيير بعض مدراء فروع المفوضية المشهود لهم بالمهنية والكفاءة، وهذا يؤشر لنقص في الشفافية ونزاهة العملية الانتخابية”.
من جانبه، قال عضو تحالف “قيم” المدني، مشرق الفريجي، إن بعض القوى المدنية تحاول أن تقنع أكبر عدد من الناس بالمشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة، ولكن هذه القناعات لا تتغير بالحديث والخطابات والوعود المتكررة، وأضاف الفريجي نحتاج إلى العمل على أرض الواقع. ويعتقد الفريجي أن خصوم السلطة في خطابهم الواضح الرافض للمحاصصة والسلاح المنفلت سيؤثرون في الناس ويكسبون هذه الجماهير.
في المقابل، تجدد جماعات مدنية وليبرالية موقفها من مقاطعة الانتخابات، كجماعة “رفض” التي تضم عدداً من الصحافيين والإعلاميين والنشطاء، حيث يعتبرون أن “الغرض من الانتخابات هو إعادة تموضع للسلطات المحلية من قبل الأحزاب الحاكمة للبلاد”، ودعوا القوى المدنية المشاركة في الانتخابات إلى “مراجعة قناعتها من جدوى المشاركة استعداداً لإطلاق مسار سياسي جديد”.
بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن “المؤتمرات والدعايات التي خصصت لها الملايين من الدولارات لم تنفع بإقناع المواطن بالمشاركة في الانتخابات”، مؤكداً أن “النتيجة واحدة سواء شارك المواطن في الانتخابات أو لم يشارك، لأنها حتماً ستكون لصالح الجهات التي تمتلك القوة والسلاح، وهكذا نعود لنقطة الصفر، المواطن هو الخاسر الأكبر”.