سعد الهموندي
لم تكن زيارة فريق مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الاستراتيجية والمستقبلية إلى بغداد مؤخراً كغيرها من الزيارات، إذ انبثقت العديد من الحقائق أمامنا، وانجلى الضباب عن أعيننا، فجميع الشخصيات السياسية والأكاديمية المثقفة التي قابلناها أجمعت على أن المراحل السابقة جعلت المجتمع العراقي يغرق في الفشل، وأحد أمثلة هذا الفشل هو تعثر العلاقة بين أربيل وبغداد على مرّ الأشهر وربما السنوات السابقة، ووصول هذا التعثر إلى سطح العملية السياسية، وبالتالي انعكاسها على المجتمع العراقي ككل، وأجمع جميع من تشرفنا بلقائهم على أن أحد أكبر مسببات هذا الفشل هو افتقادنا جميعاً لثقافة إدارة الأزمات.
فالتعامل مع مختلف الأزمات المتتابعة التي كانت ومازالت تعصف بمجتمعنا العراقي لم تخضع يوماً إلى قانون وإجراءات التعامل مع الأزمات، خاصة تلك الأزمات التي ظهرت بين السياسيين الأقوياء أو بين الأحزاب الكبيرة وواسعة الانتشار، فخلق إهمال حل هذه الأزمات فجوات ونوفذ سلبية للمنتفعين والمتسلقين الجبناء، فاتحاً لهم فرصة لنموهم متغذين على الاختلاف بين الأقوياء.. من هنا صار لزاماً على الجميع بدءاً من المثقفين والسياسيين ووصولاً إلى مراكز البحث والدراسات أن تتدخل تدخلاً سريعاً وحاسماً وسليماً، باستخدام إجراءات حقيقية فعلية تساعد على التعامل مع الأزمات في ظل ضيق الوقت وتسارع الأحداث سواء في العراق أو في المنطقة ككل. فالأزمات المختلفة والمتنوعة التي باتت تضرب المجتمع الكوردي والعربي على السواء ينبغي أن تخرج من عشوائيتها، وأن تبتعد عن سياسة الفعل ورد الفعل، وهنا ومن هذا المنبر وهذه الكلمات ادعو جميع النخب العراقية بأطيافها كافة وقومياتها كافة وأحزابها كافة أن تلبي مؤتمر رؤى السنوي والذي سينطلق قريباً بعنوان “ترحيل الأزمات وتفعل المشتركات” ليكون قاعدة بناء جديدة لقيادة الأزمات، قيادة بقاعدة التعاطف والتماسك بين جميع النخب السياسية والحزبية والثقافية، لتعميق قيمنا الحقيقية في العملية السياسية من أجل مجتمع عراقي قائم على التواد والتراحم والتواصل، مع العمل على التوجيه والتناصح المتبادل والمكاشفة والوضوح وتبادل الرأي من منطق الحب المتبادل والحرص على المصلحة العامة بمجتمعنا، فكفى بمواطنينا العناء، وكفاهم دفع فوتير الأزمات أو ثمن الخلاف، خاصة وأن المنتفعين يتربصون الفرص ويقتاتون على خلافات الكبار الأقوياء، فعيون المواطنين اليوم ترنو لمعالجة حقيقية للأزمات كافة من منظور بناء مجتمع متقدم يُحقق الريادة ويتغلب على الأزمات كافة التي غرق بها مجتمعنا، وبات في سبات عميق، فأملنا المنشود هو أن نصل إلى عراق بلا أزمات.