#مؤسسة_رؤى_للدراسات
العلمية المعروفة بين اغتيال أو خطف، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات، الأمر الذي ولّد مخاوف بين الأوساط العلمية والمهنية من أن يدفع ذلك إلى موجة هجرة جديدة للعقول العراقية.
وقبل أيام شهدت مدينة بعقوبة (مركز محافظة ديالى شمال شرق بغداد) عملية اغتيال طالت طبيبا معروفا متخصصا بجراحة القلب يدعى أحمد المدفعي، في حين طالت عملية قتل أخرى أستاذا جامعيا متقاعدا يدعى عبد الرسول الأنباري في محافظة بابل جنوب العاصمة.
وعلى خلفية اغتيال الطبيب المدفعي أبدت نقابة أطباء العراق قلقها على وضع الأطباء في المحافظة، في حين قررت نقابة صيادلة ديالى تعليق العمل في الصيدليات في المحافظة إلى إشعار آخر، منددة بهذا العمل الذي وصفته بـ”الإجرامي” الذي بات يستهدف الكوادر الطبية والكفاءات.
نقابة الأطباء التي نعت المدفعي أكدت في بيان أن أمن الأطباء في ديالى مقلق ويستدعي تدخل الجهات الأمنية وأن تتحمل مسؤولياتها بأكبر قدر من الجدية والحزم، وألا يغيب حضور الأجهزة الأمنية والقضائية عن المشهد وسط تردي الوضع وتمادي المجرمين، وفق البيان.
انتظار التحقيقات
ولم تعلق وزارة الداخلية العراقية على الحوادث الأخيرة أو أسبابها، أو الجهات التي تقف وراء تلك العمليات، غير أن المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا أكد أن التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة إن كانت إرهابية أم جنائية، مبينا أن وزارته ستعلن عن ذلك حال الحصول على معلومات مؤكدة، وفق قوله.
في السياق، قال نقيب أطباء محافظة ديالى مرتضى الخزرجي إن عائلة الطبيب أحمد المدفعي، وعائلات الأطباء الآخرين يعيشون رعبا نفسيا كبيرا جراء الحادثة وسط مخاوف من تركهم المحافظة والانتقال إلى مناطق أخرى.
وأكد الخزرجي في مؤتمر صحفي عقده بمقر النقابة في ديالى الأربعاء الماضي أن الطبيب المغدور ليس لديه أي عداء شخصي أو مشاكل عشائرية، وهو شخص مسالم ومعروف بكفاءته ونزاهته في عموم المحافظة، وفق قوله.
ومطلع فبراير/شباط الجاري تعرض خبير البيئة المعروف جاسم الأسدي لعملية اختطاف على يد جهة مجهولة -خلال توجهه إلى العاصمة بغداد قادما من محافظته بابل- قبل أن يطلق سراحه بعد أسبوعين، بدون الإعلان عن الجهة الخاطفة، وقال الأسدي بعيد إطلاق سراحه إنه تعرض لتعذيب وتنكيل طوال مدة اختطافه من قبل جهة مسلحة مجهولة، وفق وصفه.
ليس هذا فحسب، إذ في 22 فبراير/شباط تعرض ضابط طيار برتبة عقيد، يعمل بسلاح الجو العراقي لعملية اغتيال في قضاء الفلوجة بمحافظة الأنبار غربي البلاد، في حادث هو الأول منذ سنوات.
ووفق المصادر الأمنية، فإن مسلحين مجهولين اغتالوا العقيد الطيار سعد محسن الدليمي في قضاء الفلوجة، وشقيق كل من غازي الدليمي رئيس الأركان السابق للفيلق الثالث بالجيش العراقي والكابتن الطيار طلال الدليمي.
وتعزو مراكز البحوث والدراسات أسباب تلك الحوادث إلى السلاح المنفلت والمظاهر المسلحة خارج إطار القانون، والتي تعارض أي صوت أكاديمي أو علمي أو مهني في البلاد، وفق عدنان بهية مدير معهد “أكد” الثقافي للبحوث والدراسات.
ويقول بهية -وهو لواء بالجيش العراقي السابق- إن غياب وجود سقف زمني لإنهاء السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة يُبقي الحال على ما هي عليه، وقد يزيد من وتيرة استهداف الكفاءات ويعيد التفكير بالهجرة خارج البلاد.
ونوّه إلى أهمية تشريع قانون يمنع التيارات السياسية التي لديها أذرع مسلحة من خوض الانتخابات، مشيرا إلى أن حادثة الخبير البيئي جاسم الأسدي توضح هذه القضية بشكل جلي، إذ كان على الحكومة الإفصاح عن المتسببين والمنفذين للحادثة من أجل إظهار الخفايا والدوافع وإطلاع الرأي العام على ما يجري، وفق تعبيره.
وعن إمكانية معالجة ووقف استهداف الكفاءات العلمية بالبلاد، يرى الخبير الأمني سرمد البياتي أن هذا النوع من الحوادث تكرر خلال الفترة القليلة الماضية، ولا بد من معالجة هذه الحوادث بشكل سريع من خلال المعلومات الاستخبارية لمعرفة الجناة.
البياتي أشار إلى أن الكثير من الكفاءات تتخوف نتيجة هذه الأحداث، معتبرا إياها مخاوف مشروعة، لا سيما إن كانت ذات طابع “إرهابي”، لافتا لوجود مخاوف لدى طبقات اجتماعية أخرى، خاصة أن هذا النوع من الأحداث يتسبب بزعزعة الأمن من خلال استهداف الشخصيات المعروفة.
وعن تأثيرها على الواقع السياسي والأمني والاقتصادي، يرى المحلل السياسي جبار المشهداني أن هذه العمليات تشكّل تحديا أمنيا غاية في الخطورة بالنسبة لحكومة السوداني، وأنها تبعث برسائل سلبية داخليا وخارجيا عن انعدام الأمن بالبلاد.
وفي خضم يعتقد المشهداني أن موجة الاستهدافات هذه قد تكون سببا رئيسيا في إحجام الشركات الكبرى عن تنفيذ مشاريعها الإستراتيجية في قطاعات الكهرباء واستثمار الغاز المصاحب، فضلا عن تشكيلها ضغطا على المستثمر المحلي الذي سيفضل الانتقال إلى بيئة آمنة في دول أخرى، وفق تعبيره.
ومرت هجرة العقول والكفاءات في العراق بمراحل عدة، بدأت إثر الحروب التي خاضتها البلاد في ثمانينيات القرن الماضي، ثم اشتدت في التسعينيات بسبب الحصار الاقتصادي الدولي إثر غزو الكويت، حيث هاجر الكثير من العلماء وأساتذة الجامعات إلى بلاد عربية وأخرى غربية للبحث عن ظروف اقتصادية أفضل تتلاءم مع مؤهلاتهم وإمكانياتهم العلمية.
وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فرّ العديد من العلماء والمثقفين والأكاديميين والطيارين إلى دول متعددة خشية الاستهداف المباشر، ثم ما لبثت أن تسارعت وتيرة الهجرة بالتزامن مع الصراع الطائفي بين عامي 2006 و2008 الذي شهدته مدن العراق.
ومع دعوة الحكومة العراقية -قبل سنوات- للكفاءات العراقية بالمهجر للعودة إلى البلاد لقاء توفير الحماية والأمان وتوفير فرص عمل أفضل لاستثمار مؤهلاتهم العلمية، استمرت الهجرة لكن بمعدلات أقل، بيد أن ذلك لم يمنع تسجيل هجمات وحوادث متفرقة وبأوقات متفاوتة لاستهداف الكفاءات، لا سيما الأطباء على وجه الخصوص.