#تضليل يؤثر على حاضر الأطفال ومستقبلهم ويُفقدهم ثقتهم بأنفسهم
يُحذر الخبراء من ممارسة أسلوب “التلاعب بالعقول” مع الطفل لما قد يُسببه من عواقب وخيمة وخصوصا عندما يكون الطفل في أشد حالات التوتر. وتقول شيري غوردون خبيرة الوقاية من التنمر، “قد يفاجئك أن تعلم أن بعض ما تفعله أو تقوله لأطفالك ليست مفيدا، بقدر ما يمكن اعتباره تلاعبا بعقولهم، لتغطية مخاوفك”.
والتلاعب بالعقول، هو “شكل من أشكال التضليل يُصب على شخص ما -كبيرا أو صغيرا- حتى يُفقده الثقة بنفسه ويوقعه في الشك والحيرة والارتباك”؛ ويُرمز له علميا بمصطلح (Gaslighting)؛ الذي حظي باهتمام كبير مؤخرا، حتى شهدت عمليات البحث عنه على شبكة الإنترنت زيادة بنسبة 1740% في 2022.
وقد نتورط في ممارسة التلاعب بعقل الطفل -عن قصد أو غير قصد- عندما يعبر عن إحساسه بجرح مشاعره فنسارع بلومه، باعتبار أننا “لم نقصد الإساءة إليه أبدا”، وأنه “أخطأ حين فكر بهذه الطريقة”؛ إلى آخر هذه الردود، التي “تُربك الطفل، وتزعزع ثقته بنفسه، وتجعله يظن أنه هو المخطئ”.
وهي إستراتيجية قد تستمر لسنوات من عمر الطفل وتجعله “يشك في موثوقية ذاكرته ومشاعره، وأحيانا قدراته عقله” وفقا للطبيب النفسي ومدرب الآباء جيس بيتشكوفسكي الذي يُرجع الأمر إلى أن “بعض الآباء يريدون السيطرة على أطفالهم، ولا يسمحون لهم ببعض الحرية”.
لاجتناب هذه الممارسة الأبوية الضارة، ينصح كل من غوردون وبيتشكوفسكي، بالتعرف على أهم الحالات الشائعة، وهي:
#المشاعر: التقليل من مشاعر الطفل، فعندما يسقط خارج المنزل يبكي وينزعج؛ ومبادرته بقول “أنت بخير، لا تبكي مثل فلان” يُعد تلاعبا ورسالة مفادها أن ما يشعر به ليس حقيقيا. في الوقت الذي تظهر فيه الدراسات أن الأطفال الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي لاستيعاب المشاعر والاستجابة لها يكونون أفضل في المدرسة، ولديهم علاقات أكثر إيجابية.
الرفض: عندما يشعر الطفل بالحزن أو الاكتئاب، لأن زميله يرفض اللعب معه؛ فيقال له إنها “ليست مشكلة كبيرة، أنت فقط حساس أكثر من اللازم”.
الأكل: عندما يشتكي من عدم رغبته في تناول صنف من الطعام لأنه لا يحبه، فيقال له “لا بد أن تأكله، فهو مفيد لك”.
التعليم: عندما يعاني من فهم مادة الرياضيات -على سبيل المثال- فيقال له “أنت كسول فقط”؛ أو عدم الاحتفال بنجاحه والاعتراف بالجهد الذي يبذله للوصول إلى أهدافه.
الذكريات: عندما تتحدى ذكرياته أو تشوهها، إذ لا يوجد شخصان يتذكران الحدث بالطريقة نفسها، فلكل شخص ذكرياته المختلفة عن نفس الحدث.
التنافس: من التلاعب، أن تضع نفسك في موقف تحاول فيه التنافس مع طفلك، أو إظهار مدى ذكائك ومهاراتك وقدراتك أمامه.
المقارنة: ليس هناك ما هو أضر على الطفل من مقارنته بطفل آخر أو بأخيه؛ حتى المقارنات التي نشعر أنها غير ضارة، يمكن أن تكون تلاعبا مؤذيا.
التشكيك: عندما نشكك في مشاعر الطفل وأفكاره وفي قدرته على فهم العالم من حوله؛ فإننا نزرع الشك في حياته مما يضر بثقته بنفسه ويُفقده الشعور بالأمن.
اللوم: فمن التلاعب تحميل الطفل مشاكلنا أو لومه على توترنا بسبب سلوكه بدلا من تقويمه.
العُزلة: من التلاعب أيضا، عدم السماح للطفل ببعض الاستقلالية وتقييد وقته مع الأصدقاء وإغراقه بالقواعد لعزله عن أقرانه وإبقائه في المنزل.
التوقف عن التلاعب -ولو قليلا- قد يكون له تأثير كبير بمرور الوقت؛ حيث يُنبه بيتشكوفسكي، إلى أن “التلاعب بعقول الأطفال، وإخبارهم بما يجب أن يشعروا به بدلا من السماح لهم باكتشاف ذلك بأنفسهم، يهيئهم للفشل”، ويمكن أن:
يُسبب الكثير من الضرر النفسي للدماغ النامي.
يقود الأطفال إلى الشك في مشاعرهم وخبراتهم وقدراتهم وحتى ذكرياتهم.
يُخبر الأطفال بأن أفكارهم ليست صحيحة وأنهم ليسوا جيدين بما يكفي.
يُلقي بالأطفال في بئر الحيرة عندما يجدون أن ما يقولونه ويفعلونه ويشعرون به ويفكرون فيه ليس صحيحا.
يُزيل أي مرونة قد تكون لدى الطفل، مما يجعل حتى الأشياء الصغيرة يمكن أن تسقطه في دوامة المرض العقلي.
يجعل الأطفال يعانون من أجل تكوين علاقات صحية أو ليكونوا ناجحين في حياتهم المهنية في المستقبل بسبب نظرتهم السلبية لقيمتهم ومهاراتهم.
يُوفر ظروفا مثالية لحدوث مشكلات الصحة العقلية الأكثر شيوعا مثل القلق والاكتئاب؛ وفي أسوأ السيناريوهات يمكن أن يجعل الأطفال يعانون من ضعف تقدير الذات.
كيفية التوقف
يخبرنا بيتشكوفسكي أنه “ليس من الصعب على الأبوين ملاحظة تلاعبهما بعقول أطفالهما والتوقف عنه من خلال الاستماع والتحقق من المشاعر”. فالأطفال يريدون أن يشعروا بأنهم مسموعون، كما تقول سارة أندرسون، أخصائية علاج الأطفال في أتلانتا، “كلنا نريد أن يُسمع صوتنا ويُنظر إلينا ويفهمنا الآخرون وهذا يشمل الأطفال”.
وبدلا من إخبار طفلك “أنه بخير ولا يصح أن يبكي كالطفل الصغير لأنه تعثر وخُدش”، فقط اعترف بألمه، وقل له “يا إلهي، وقعت، كم هذا مؤلم”، وقدم له ما يلزم من إسعافات أولية؛ دون مبالغة في رد فعلك، أو تهويل بشأن إصابته.
أما شيري غوردون خبيرة الوقاية من التنمر، فتشدد على أهمية توقف الأبوين عن التلاعب “من خلال الحفاظ على وعودهما لأطفالهما، وتحمل المسؤولية عن مشاكلهما والكف عن اختلاق الأعذار والتشبث بالأخطاء”.
وتوصي الأهل “عندما يشكو طفلك من أنه متضايق حاول أن تأخذ نفسا عميقا وتستمع له دون إصدار أحكام؛ فقط اطرح الأسئلة للتحقق من شعوره وإخباره أنك تفهمه”.
وإذا بدا أنه يعاني من انهيار أو نوبة غضب، “ساعده على الاستجابة لمشاعره بطريقة صحية دون تشهير أو انتقاد، ودون السماح له بإيذاء الآخرين”.
وتؤكد أن “ما يقلل من الوقوع في ممارسات التلاعب هو تشجيع الطفل بعد أن ينشأ على الاستقلالية وتكوين الصداقات وتعليمه مهارات حل المشكلات”. واكتشاف الجمال في كل الأطفال، وعدم إشعال التنافس بينهم؛ “فكل طفل لديه شيء فريد ورائع ليقدمه، وعلينا أن نكتشف هذه الأشياء”.
بحث أعده #محمد_صلاح