#مؤسسة_رؤى_للدراسات
تسعى الحكومة العراقية الحالية إلى إجراء التعداد السكاني الذي لم تستطع تنفيذه كل الحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003 بسبب خلافات سياسية، واتهامات باستخدام التعداد لمحاولة تصنيف المواطنين بحسب مكوّنات قومية ومذهبية، ما جعل أرقام الزيادات السكانية في العراق طوال ربع قرن تعتمد على تخمينات.
وأكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بعد اجتماع عقده مع مسؤولي المجلس الأعلى للسكان: “ضرورة بذل أقصى الجهود لإجراء التعداد السكاني التنموي هذا العام، وإصدار توجيهات لتهيئة كل الإمكانات والمتطلبات البشرية والفنية والمالية واللوجستية المطلوبة لإنجاز هذا التعداد. الحكومة تعوّل على أهمية إجراء التعداد في تنفيذ سياسات وتحقيق أهداف برنامجها، علماً أنه مهم أيضاً في إعداد المشاريع المستقبلية التي تساعد في تنمية المجتمع ونهضته. التعداد أحد المبادئ العشرة للأمم المتحدة، وأيضاً الاستراتيجية العربية للتخطيط السكاني”.
وأصدرت وزارة التخطيط العراقية تقريراً حول حال السكان في عام 2022، وفقاً لتقديرات أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، كشف أن التعداد تخطى 42 مليوناً، و40 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 15 سنة، وتضم العاصمة بغداد النسبة الأعلى من السكان البالغة 9 ملايين.
وفي عام 2022، أظهرت توقعات حكومية أن إجمالي عدد السكان سيرتفع إلى 50 مليون نسمة بحلول عام 2030، في ظل تقديرات بزيادتهم 850 ألفاً سنوياً، بنسبة 2.6 في المائة، مع احتمال أن يرتفع العدد الى 80 مليوناً بحلول عام 2050.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن “الوزارة أعادت في وقت سابق تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان، بناءً على تأكيد برنامج الحكومة أهمية تنفيذه لتحديد آليات معالجة بعض المشاكل، ومنها أزمات السكن والتعليم والصحة والبطالة والفقر. موعد تنظيم التعداد السكاني حُدد في الربع الأخير من العام الحالي، ورصدت موازنة الحكومة خلال العام الماضي مبلغ 120 مليار دينار (82 مليون دولار) لتنفيذه”. يضيف: “يضمن التعداد السكاني إجراء معالجات حقيقية للسيطرة على معدلات الفقر وفقاً لقاعدة بيانات حقيقية، وكذلك احتساب معدلات الدخل، ومستوى الخدمات التي يحصل عليها الفقراء، وتنفيذ المسوح الميدانية لتحديد أماكن تركزهم، ما يمهد لتحديد خط الفقر، كما يساهم في دعم ميزانيات المدن وفقاً لاحتياجاتها، وإطلاق المشاريع الخاصة بالسكن وتحجيم البطالة”.
بدوره، يؤكد رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، محمد عنوز، أن “العراق يحتاج إلى إجراء تعداد سكاني نزيه لا تتدخل فيه الإرادات الحزبية. الخلافات بين الكيانات السياسية، وبين السلطات في بغداد وأربيل، وكذلك الأزمات الأمنية التي فرضها احتلال تنظيم داعش لبعض المناطق، منعت إجراء التعداد، لكن يبدو الوقت مناسب لإجرائه حالياً”. يضيف عنوز: “سيكشف التعداد السكاني نسب الفئات العمرية، والحاجات الأساسية التي يطالب بها العراقيون، وسيظهر الأضرار التي ألحقتها بهم الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ عام 2003، علماً أن فئة الشباب هي الأكثر تضرراً من البطالة والفقر”.
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني أن “إجراء التعداد السكاني في المرحلة الحالية لن يتأثر كثيراً بالأزمة المالية نظراً إلى وجود فائض أموال، كما أنه ليس ضرورياً تخصيص مبالغ كبيرة لذلك. بعض الأحزاب السياسية تريد هذا التعداد لأنه يخدم مصالحها، فيما تتهرب منه أحزاب معينة لأنه سيقلب الموازين السياسية، وربما ينطبق هذا على المناطق الواقعة تحت المادة الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها”.
يضيف الكناني: “القوانين التي تعالج البطالة والفقر تظل بلا فعالية من دون أرقام حقيقية، لذا يفترض ان يساهم إجراء تعداد سكاني في إيجاد حلول ضمن الميزانيات المالية المستقبلية، وذلك في حال لم تمنع الصراعات السياسية إجراءه”.
وأجري التعداد السكاني الأخير في العراق في عام 1997، ثم عرقلت الأحزاب إجراء تعداد جديد بعد عام 2003، بسبب خلافات حول الإشارة إلى قومية الشخص ومذهبه في استمارة التعداد التي تتضمن إجابات المواطنين. ويرى مراقبون أن إجراء التعداد ضروري لتوزيع الثروات، ورسم الخطط التنموية، وتقييم نتائجها، ووضع الخطط لإعادة الإعمار.