#مؤسسة_رؤى_للدراسات
لا يخفي ناشطون عراقيون في مجالات متفرقة، منها السياسة والصحافة وحقوق الإنسان والبيئة، مخاوفهم من اعتماد المليشيات والجماعات المسلحة في البلاد، طريقة الاختطاف لإسكاتهم وإبعادهم عن نشاطاتهم والحديث عبر وسائل الإعلام ومحاولة التأثير في الرأي العام.
وكانت آخر حادثة من هذا النوع، اختطاف الناشط البيئي المعروف في مدن جنوب العراق، جاسم الأسدي، في 5 فبراير/شباط الحالي في ظروف غامضة، ثم الإفراج عنه بعد أسبوعين، وامتناعه عن التعليق حول ما تعرض له، وقد ظهر بحالة صحية ونفسية سيئة للغاية محاطاً بأهله في محافظة ذي قار، جنوبي البلاد.
تصاعد عمليات الخطف
وسبق اختطاف جاسم الأسدي بأسابيع عملية اختطاف لناشط في ذي قار يدعي علي اللامي دامت ليومين ثم أُطلق سراحه، من دون أن تُعلّق الشرطة على الحادث أيضاً. وعُرف اللامي بكونه ناشطاً مدنياً وفاعلاً على منصات التواصل الاجتماعي. وقبيل ذلك، اختُطف ناشطون آخرون على فترات متقطعة أبرزهم علي المكدام، الذي أطلق سراحه بعد تعرضه للتعذيب والضرب أيضاً.
بعض الناشطين المختطفين أُفرج عنه وتوارى عن الأنظار بعد ذلك، ومنهم من لم يظهر إطلاقا وبات في عداد المغيبين. وأبرز هؤلاء الناشط مازن لطيف، والصحافي توفيق التميمي، والناشط عبد المسيح روميو سركيس، وحيدر البابلي، وعلي ساجت، والناشط من مدينة الناصرية سجّاد العراقي، ناهيك عن أسماء غُيبت قبل اندلاع تظاهرات “تشرين” (أكتوبر 2021)، ولم تعد تُذكر في الإعلام، مثل جلال الشحماني وفرج البدري.
عبد الله الركابي: اختطاف الناشطين يبدو الخيار الجديد بالنسبة للجماعات المسلحة
وفي حين لا تتوصل السلطات العراقية، سواء الأمنية أو الحكومية، إلى نتائج في تحقيقاتها التي تفتحها بهذه الأحداث، لكن ناشطين يقولون إن السلطات تخشى الاحتكاك بالجهات الخاطفة كونها “قوية وخطيرة”، ناهيك عن كونها متغلغلة بالسلطة في البلاد.
وما يثير الخوف في نفوس الناشطين العراقيين، أن أغلب رفاقهم وزملائهم الذين أفرج عنهم بعد اختطافهم يرفضون الحديث عما تعرضوا له أثناء اختطافهم، لكن مصادر قريبة منهم سرّبت الكثير من المعلومات، منها “أخذ اعترافات غير حقيقية منهم، كتلقي الدعم من الخارج، فضلاً عن تعذيبهم وتهديدهم بالتصفية مع عائلاتهم في حال عودتهم لنشاطاتهم السابقة”.
وهذه الأساليب قد تكون حصلت مع جاسم الأسدي، وفقاً لمصدر قريب منه. وقال المصدر، وهو ناشط مدني من مدينة الناصرية جنوبي البلاد، إن “الأسدي يعاني حالياً من صدمة نفسية كبيرة، ويرفض الحديث عن الأيام التي قضاها مختطفاً، لكنه يحاول أن يتأقلم مع وضعه الجديد، ما يعني أنه قد تعرض إلى تعذيب نفسي أو ترهيب”.
ولفت إلى أن “هذا الأمر حدث مع غالبية الناشطين في مجالات السياسة وحقوق الإنسان والصحافة الذين جرى اختطافهم خلال السنوات الأربع الماضية، وتحديداً أثناء وبعد تظاهرات تشرين، حتى اضطر بعضهم إلى النزوح إلى إقليم كردستان أو الهجرة إلى تركيا”.
في السياق، قال الناشط السياسي في بغداد، أيهم رشاد، إن “المليشيات تعمل بشكل ممنهج لإسكات الصوت المدني والوطني وحراك الناشطين في سبيل التغيير، وباتت تنتهج طريقة جديدة في التعامل معنا، وهي الاختطاف ثم الإفراج، بعد أن كان سلاحها في الشوارع وتفرغه في رؤوس الناشطين والمحتجين”.
من يقف وراء عمليات اختطاف الناشطين والمدونين في العراق؟
وأضاف أن “هذه المليشيات لا تخشى قتل الناشطين لكنها لا تريد ذلك، كي لا تُحرج قوى الإطار التنسيقي التي ترتبط بها عدد غير قليل من تلك المليشيات”.
واعتبر رشاد أن “الأحزاب الكبيرة والنافذة لا تقبل بأي صوت يعارض ممارساتها وانتهاكها للقوانين وسرقتها للمال العام وسيطرتها الكاملة على المناصب والتعيينات الذي أسهم في دمار البلاد، بالتالي فهي تسعى إلى إسكات الأصوات الوطنية، عبر جملة من الإجراءات التي تنفذها المليشيات ومنها التهديد والاختطاف، وأخيراً موضوع المحتوى الهابط الذي تريد من خلاله أن تسكت أي طريقة تعبير عن الوضع المتردي في البلاد”.
ظاهرة اختطاف الناشطين خطيرة
من جهته، أشار العضو المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، إلى أن “ظاهرة اختطاف الناشطين خطيرة، وهدفها جعل الناشطين يتخوفون من أي فعل ينقد أو يشير إلى الأخطاء التي تمارسها السلطة، على كل الأصعدة، وهذا الأمر يشير إلى مدى تدهور طريقة التفكير السياسية والأمنية التي تحكم العراق”.
واعتبر أن “جاسم الأسدي أو غيره، يمثلون حالات عراقية من المفترض أن يتم التعامل معها من أجل تصحيح الأخطاء في ملف البيئة، لا خطفه وترويعه وتهديد أسرته”. ولفت السلامي إلى أن “الأحزاب الجديدة والكيانات السياسية الناشئة والنواب المستقلين في البرلمان يقفون إلى جانب الناشطين الذين يدفعون باتجاه تأسيس دولة مدنية لا يحكمها الرعب والسلاح، وأن النضال المدني لن يتوقف بالتخويف والاختطاف أو المضايقات”.
وشدد على أن “حكومة (محمد شياع) السوداني مسؤولة عن كل هذه الإساءات إلى العراقيين، وأن الناشطين هم فئة مهمة في العراق، لديها مشاريع وطنية ولا تهدف إلى مشاريع شريرة كما تروج وسائل إعلام الأحزاب الكبيرة”.
أيهم رشاد: المليشيات تعمل بشكل ممنهج لإسكات الصوت المدني
أما الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، فلفت إلى أن “طريقة اختطاف الناشطين لمدة أسبوع أو أسبوعين يبدو أنه الخيار الجديد بالنسبة للجماعات المسلحة الممولة من قبل أطراف فاعلة في السلطة، بعد آلية الاغتيالات في الشوارع”، مضيفاً: “على الرغم من أنها أقل ضرراً من القتل، لكنها لا تؤدي إلى ما تهدف إليه هذه الجماعات، لأن القتل الذي تعرض له الناشطون لم يسكتهم، فكيف بحوادث الاختطاف التي ستزيد النقمة ضد العقلية الحاكمة بكل تأكيد”.
وأشار الركابي إلى أن “حكومة السوداني وعدت في أول يوم لتسلمها زمام السلطة في البلاد، بأن تقوم بحماية المدنيين وتجنيبهم أي محاولات للإساءة أو اختطافهم، لكن حادثة اختطاف الناشط جاسم الأسدي أثبتت أن السوداني وحكومته عاجزة أمام إيقاف هذه الجماعات”.
وتوقع أن “مصير نتائج التحقيق بحادثة الاختطاف الأخيرة، لن تظهر، كما جرت العادة مع التحقيقات الحكومية، لأن الجهات الخاطفة تتحكم بمفاصل مهمة بالدولة، وهذا أخطر ما يمكن أن يكون”.
وخلال السنوات الماضية، ارتفع عدد الناشطين المدنيين المختطفين والمغيبين، من جراء مواقف سياسية طرحها بعضهم أو لمشاركتهم في فعاليات شعبية مثل المسيرات والاحتجاجات. وتفيد بعض المصادر العراقية بوجود نحو 100 ناشط ومدوّن وصحافي، من المحسوبين على الخطاب المدني العراقي، خارج مدنهم الأصلية، ويعيشون ظروفاً صعبة في إقليم كردستان العراق وتركيا ولبنان، هربا من تهديدات تلاحقهم.