#د_سليمان_صالح
#مؤسسة_رؤى_للدراسات_والبحوث
تطوير علم الدبلوماسية العامة يحتاج للبحث في تجارب جديدة، فمعظم الباحثين يركزون على تجربة أميركا التي تسيطر على النظام الإعلامي الدولي وتدفق الأنباء، وتمتلك قوة إعلامية تستخدمها في فرض الاستعمار الثقافي؛ لذلك حاولت أن أبحث في تجارب دولية يمكن أن تقدم مناظير مختلفة لتطوير علم الدبلوماسية العامة، وتكشف إمكانيات وسائل الإعلام في بناء العلاقات الدولية، وتساهم في تحرير علم الإعلام من التبعية لأميركا.
بناء صورة جديدة للدولة
تعتبر تجربة جنوب أفريقيا حالة مهمة يمكن أن توضح لنا كيف يمكن أن تستخدم الدول وسائل الإعلام في بناء صورتها وتطوير علاقاتها مع الشعوب.. لماذا؟
إن صورة جنوب أفريقيا كانت سلبية في أذهان الشعوب -خاصة الشعوب الأفريقية- لفترة طويلة من الزمن، نتيجة ممارستها للتفرقة العنصرية (الأبارتايد)، وكانت تلك الصورة من أهم المشكلات التي واجهت نيلسون مانديلا وحكومته بعد عام 1994، فكيف تمكن مانديلا من صياغة سياسة خارجية جديدة، واستخدام وسائل الإعلام لبناء صورة إيجابية لجنوب أفريقيا تتيح لها بناء علاقات طويلة المدى مع الشعوب؟ وكيف يمكن الاستفادة من هذه التجربة في تطوير علم الدبلوماسية العامة؟
استمرت جنوب أفريقيا -منذ فوز مانديلا بالرئاسة- في تطوير استخدامها للدبلوماسية الإعلامية لبناء مكانتها الدولية، حيث حددت هدفا لسياستها الخارجية يتمثل في زيادة دورها في بناء العلاقات الدولية على المستوى العالمي، فاعتبرت أن مكانتها ودورها الفاعل في القارة الأفريقية أساس مكانتها العالمية
محيط من الفقر
كان من أهم الأفكار التي طورها نيلسون مانديلا واستخدم وسائل الإعلام في نشرها: أن جنوب أفريقيا لا يمكن أن تكون جزيرة مزدهرة في محيط من الفقر، لذلك يجب أن تعمل لتحقيق التنمية في القارة الأفريقية عن طريق التعاون والمشاركة مع دول القارة.
كانت تلك الفكرة من أهم الأسس التي بنى عليها نيلسون مانديلا إستراتيجيته لبناء صورة جديدة لدولته في أفريقيا، لكنه أيضا عمل على استخدام وسائل الإعلام لترويج سمات جديدة للصورة من أهمها:
أن جنوب أفريقيا الجديدة -في مرحلة ما بعد التفرقة العنصرية- تحافظ على حقوق الإنسان، وتعمل لحمايتها.
أن دولته تعمل لتشجيع التحول إلى الديمقراطية في كل دول العالم، وهذه سمة تثير إعجاب كل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية وتشتاق إلى المشاركة في إدارة شؤون بلادها واستثمار ثرواتها.
أنها تعمل لتحقيق العدالة في العلاقات الدولية وفي تطبيق القانون الدولي، وقد ركزت السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا على تصوير الجهود التي تقوم بها لضمان العدالة.
أنها تعمل لتحقيق السلام العالمي من خلال البحث عن وسائل جديدة وعادلة لحل الصراعات.
الدفاع عن مصالح دول القارة الأفريقية في الشؤون الدولية.
أنها تكافح لتحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق التعاون الإقليمي والدولي.
كيف استخدم مانديلا وسائل الإعلام؟
كيف تمكّن مانديلا من إعادة دولته إلى القارة الأفريقية، وتحويلها إلى فاعل في الشؤون العالمية، بعد أن حدد الأسس التي يقوم عليها خطاب الدولة؟ اكتشف أن وسائل الإعلام يمكن أن تحقق أهدافه في بناء صورة جنوب أفريقيا الجديدة، وأنها أهم أدوات الدبلوماسية العامة، لذلك خططت وزارة الشؤون الخارجية لاستخدام وسائل الإعلام لبث رسائل بشكل مستمر لشرح سياستها الخارجية، والاتصال بالجماهير، وتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة، وبناء العلاقات مع الشعوب الأفريقية.
وبالرغم من أن جنوب أفريقيا حاولت بناء قوة إعلامية عن طريق إنشاء وسائل إعلامية جديدة تستهدف الوصول إلى الجماهير في القارة، فإن وزارة الخارجية قامت بالكثير من الجهود لبناء علاقات مع وسائل الإعلام في كل دول القارة الأفريقية، لبث الكثير من الرسائل التي تستهدف إعادة جنوب أفريقيا للقارة، وتحسين صورتها الذهنية.
بناء المكانة العالمية
من الواضح أن وزارة الشؤون الخارجية نجحت في تطوير أنشطتها في مجال الدبلوماسية العامة واستخدام وسائل الإعلام في بناء علاقاتها مع الشعوب، حيث خططت لجذب الجماهير في العالم باستخدام مجموعة من الرسائل حول دولة جنوب أفريقيا الجديدة التي تعمل لتحقيق السلام والتنمية، وقامت بنشر هذه الرسائل لتحسين صورتها على المستوى العالمي، واستخدمت في ذلك الكثير من الإعلاميين من ذوي البشرة السوداء للتأكيد على أنها دولة أفريقية وأنها قامت بتحقيق المساواة بين المواطنين، وأدت هذه الصورة الجديدة لفتح مجالات للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وزيادة قوة جنوب أفريقيا الاقتصادية، ويوضح ذلك أهمية الصورة الذهنية في بناء قوة الدولة الصلبة.