#مؤسسة_رؤى_للدراسات
على غير العادة مقارنة بالزيارات الإسرائيلية السابقة التي كانت يصبغها التكتم الرسمي الشديد وصل إلى الخرطوم، وفد إسرائيلي رفيع يضم عسكريين وأمنيين وسياسيين برئاسة وزير الخارجية إيلي كوهين في زيارة خاطفة ليوم واحد، أجرى خلالها محادثات مع عدد من المسؤولين السودانيين، في مقدمهم رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.
وبحسب مجلس السيادة السوداني، فإن اللقاء بين البرهان وكوهين تطرق إلى “سبل إرساء علاقات مثمرة مع إسرائيل وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم لا سيما في المجالات الأمنية والعسكرية”.
ولفت بيان لوزارة الخارجية السودانية إلى أنه خلال المباحثات “حث الجانب السوداني الطرف الإسرائيلي على العمل على تحقيق الاستقرار والسلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني”. وأوضح البيان أن زيارة كوهين تمت في إطار “مواصلة الاتصالات السابقة بين السودان وإسرائيل”.
ومساء أمس، لدى عودته إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، قال كوهين للصحافيين “يسعدني أن أبلغكم أنه في إطار الزيارة اتفقنا على توقيع معاهدة سلام بين السودان وإسرائيل” بعد أن يتم تشكيل حكومة مدنية في الخرطوم.
وأوضح أن المعاهدة المرتقبة يفترض أن يتم توقيعها “بعد انتقال السلطة في السودان إلى حكومة مدنية يتم تشكيلها في إطار العملية الانتقالية الجارية في هذا البلد”، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وشدد الوزير الإسرائيلي على أن “توقيع اتفاقية سلام يخدم البلدين، ويعزز الأمن القومي الإسرائيلي والاستقرار الإقليمي، ويساعد الاقتصاد”.
فيما يرى محللون ومراقبون أن الزيارة تهدف إلى وضع اللمسات الأخيرة لملامح اتفاق سوداني إسرائيلي برعاية أميركية تمهد لإبرام معاهدة سلام استكمالاً لـ”اتفاقيات أبراهام” التي بدأت أولى خطواتها بلقاء البرهان مع بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية، يتوقعون في الوقت نفسه أن تفتح الخطوة مرة أخرى الجدل القديم المتجدد حول العلاقات السودانية الإسرائيلية، لا سيما وأن هناك بعض القوى السياسية الرافضة لمبدأ الاتفاق من الأساس، بينما يرى آخرون أن الاتفاق مع تل أبيب لا يدخل أصلاً ضمن مهام أي حكومة انتقالية، وينتظر الملف برمته إلى حين قيام حكومة منتخبة باتخاذ قرار في شأنه.
الخطوة الأخيرة
في السياق، قال السفير الصادق المقلي، إن الزيارة تتم للمرة الأولى بشكل علني وصريح وفي إطار دبلوماسي بقيادة وزير خارجية إسرائيل، وبحضور نظيره السوداني المكلف، إذ سبق لإيلي كوهين نفسه أن زار السودان سابقاً بشكل سري لكن بصفته زيراً للأمن.
وأوضح أن الزيارة إلى جانب هدفها في الحفاظ على زخم مساعي الاتفاق العربي- الإسرائيلي، تأتي أيضاً كمرحلة أخيرة لاستكمال وتتويج خطوات سابقة بدأت بلقاءات سرية ثم زيارات أمنية قادها كوهين نفسه، وصولاً إلى زيارة وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوتشين، في مطلع يناير (كانون الثاني) 2021، ولقاءاته مع كل من البرهان ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك التي انتهت بتوقيع إعلان مبادئ حول اتفاق أبراهام، مع وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري وقتذاك.
ترمب يعلن انضمام السودان إلى اتفاق السلام مع إسرائيل
غير أن السفير، يرى أن خطوة إقامة علاقات دبلوماسية إسرائيلية كاملة مع السودان تتطلب أولاً عقد اتفاق أو معاهدة سلام بين البلدين، باعتبار أن السودان كان في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1967 كسائر الدول العربية الأخرى، مشيراً إلى أنه على الرغم من إلغاء الحكومة الانتقالية السابقة قانون مقاطعة إسرائيل، فإن ذلك لا يعني عقد اتفاق سلام أو معاهدة صلح بينهما.
معاهدة صلح أولاً
وأضاف المقلي “على الرغم من كل هذه التطورات يبقى مطلب عقد اتفاقية أو معاهدة صلح بين البلدين أولاً أمراً ضرورياً كمرحلة أولى، لكن البرهان لا يستطيع بمفرده إتمام المعاهدة أو الإتفاق، إذ يتطلب استكمال هياكل الدولة، خصوصاً قيام المجلس التشريعي المنوط به المصادقة على كل الاتفاقيات الدولية”.
واعتبر أن انتقال المباحثات بين الجانبين من السرية إلى العلن تعكس خطوة متقدمة تنم عن حرص الطرفين خصوصاً المؤسسة العسكرية على المضي قدماً في مسار إكمال الاتفاق بين البلدين، برعاية وتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار السفير إلى أن الخطوات التي بدأت في مدينة عنتيبي بلقاء البرهان ونتنياهو، كانت قد شكلت أول مفاتيح الحوار بين البلدين، ثم جاءت القمة الرباعية الافتراضية التي ضمت إلى جانب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونتنياهو كلاً من البرهان وعبدالله حمدوك، هي التي أقرت الموافقة على قيام علاقات بين البلدين، وتم بموجبها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
التحول المدني
من جانبه يرى أستاذ العلاقات الخارجية بالجامعات السودانية عبدالرحمن أبو خريس، أن إسرائيل تبحث في هذه المرحلة تخفيف الضغوط الداخلية التي تعيشها نتيجة الوضع السياسي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة، بالإسراع في إنهاء وإكمال مسيرة “اتفاقيات أبراهام”.
واعتبر أبو خريس، أن الزيارة تهدف إلى استعجال إكمال سلسلة اللقاء والزيارات السرية السابقة بين الجانبين بالاتفاق النهائي على معاهدة سلام، استباقاً للتحول الديمقراطي المتوقع في السودان الذي يعتبر غير آمن بالنسبة إلى إسرائيل وربما يؤثر على تقدم في الملف بالنظر إلى سابق تجاربها مع حكومة حمدوك المدنية التي اشترطت حكومة مفوضة منتخبة لإتمام السلام مؤسسياً.
وأضاف “يبدو أن إسرائيل غير مطمئنة إلى شكل التحول المدني المتوقع لذلك رأت إحداث نقلة سريعة في علاقات البلدين قبل ذلك بالاستفادة من وجود العسكريين وعلى رأسهم البرهان في سدة الحكم، بدليل عدم مقابلة الوفد لأي من التيارات السياسية أو القوى السياسية المدنية بالبلاد”.
على صعيد متصل أوضح الأمين العام لجمعية الصداقة الشعبية السودانية- الإسرائيلية، عوض داؤود، أن “زيارة اليوم الواحد للوفد الإسرائيلي برئاسة وزير الخارجية إلى السودان، التي تأتي علنية هذه المرة تندرج ضمن التحركات الإسرائيلية لتحريك ملف اتفاقيات أبراهام، الذي تم الاتفاق عليه عند لقاء نتنياهو والبرهان بمدينة عنتيبي قبل سنوات”.
تعاون أمني وزراعي
ويرى داؤود، أن الطرفين سيسعيان في هذه المرحلة إلى فتح مكاتب متابعة متبادلة وتعزيز التعاون الأمني المشترك بخاصة في منطقة البحر الأحمر، بالنظر إلى أن الزيارة تأتي أيضاً في ظل ظروف معقدة يمر بها العالم اليوم وحالة الاستقطاب الدولي الحادة التي أفرزتها الحرب الروسية- الأوكرانية، متوقعاً أن تشهد ملفات التعاون الاقتصادي المشترك خصوصاً في المجال الزراعي تحركاً سريعاً خلال الفترة المقبلة فضلاً عن الزيارات المتبادلة.
وحول عدم لقاء الوفد بأي من المكونات أو أطراف العملية السياسية السودانية، والاكتفاء بلقاء رئيس مجلس السيادة وبعض الأجهزة الأمنية، قال أمين جمعية الصداقة الشعبية بين البلدين “إن الرؤية الإسرائيلية لعملية التحول الديمقراطي المدني الجارية اليوم في السودان قد لا تختلف كثيراً عن الرؤية الأميركية في هذا الخصوص، لا سيما وأن الخطوة من ورائها الولايات المتحدة وبتنسيق ومباركة تامة منها”.
وكانت صحيفة “هآرتس” قد كشفت عن وصول طائرة الوفد الإسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم مع توقعها اقتراب توقيع اتفاق سلام بين البلدين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي عشية الزيارة، أنه من المحتمل أن يكون السودان الدولة الإسلامية المقبلة في الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، وذلك على خلفية مفاوضات بين الطرفين تمت في الأيام والأسابيع الأخيرة، بوساطة الولايات المتحدة جعلت التوصل إلى اتفاق ممكناً، لافتة إلى أن العلاقات الجيدة بين القيادة السياسية الأمنية الإسرائيلية والسلطات العسكرية في السودان أحيت الجهود من جديد.
كما أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن زيارة كوهين ووفده تمت على خلفية أنباء عن استعداد السودان للتوقيع على اتفاقيات أبراهام.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أعلنت الخرطوم اهتمامها بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، غير أن الاتصالات العلنية توقفت بين البلدين على الرغم من التوقيع على الاتفاق مبدئياً مع الولايات المتحدة لكن لم يوقع مع إسرائيل بشكل مباشر.