السيادة المتأزمة في العراق
د. سعد الهموندي
حين توصف دولة ما بأن كيانها الجغرافي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي يتمتع بالسيادة، فالمقصود أن الدولة هي التنظيم السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والأمني التي تحق لها وحدها دون غيرها أن تحتكر أدوات القوة التي تحتاجها بما في ذلك أدوات القمع، والإكراه لفرض سلطتها على مجمل حدود دولتها التي تشكل حدودها السياسية.
لكن حصول العراق على استقلاله، وتأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي على الطريقة الغربية جاءت وللأسف وفقًا لرؤية الدول الاستعمارية، ومصالحها السياسية، والاقتصادية، فتم وضع السيادة العراقية في بداية طريق الأزمات، وما سببته تلك الأزمات من إضعاف للدولة، والسيادة على مرّ التاريخ الحديث، فبعد إنهاء الحقبة البريطانية، وسطوتها على الدولة العراقية دخلت الدولة العراقية في حالة تصدع، وتأزم كبيرة وصلت ذروتها بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سنة (1968م)، والتفريط بالشعوب العراقية من أجل طموحات الحزب الحاكم آنذاك، وشخوصه بدءًا بالحرب الإيرانية، وما خلفته من كوارث، وليس انتهاءً بحرب الكويت، وتداعياتها العسكرية، والسياسية، والأممية، ووضع العراق تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
هذا الأمر جعل السيادة العراقية منقوصة، ومجروحة ومعوَّمة، وربما بإمكاننا القول هنا إن العراق أُصيب بحالة من عدم الاستقرار السيادي وحالة من التأزم طويلة الأمد التي لم تنته إلى يومنا هذا متمثلة بما تفعله تركيا على وجه التحديد داخل الأراضي العراقية، خاصة بعد دخولها إلى عمق يصل إلى (50) كم بصورة عامة.
والأمر لا يقتصر للأسف على القوات التركية بل أيضًا على القوات الإيرانية التي تتجول في غالبية مدن العراق طولًا، وعرضًا بقواتها العسكرية، وطائراتها المسيرة، بل وتهدد بعض الدول من داخل أرض العراق.
فهل يعقل أن لدى العراق اليوم أكثر من مليون مجند عراقي بين جندي، وشرطي، ولا يستطيعون الذود عن سيادة العراق.
وأخيرًا أقول إن الضمان الحقيقي للسيادة الوطنية أمر بالغ الأهمية للاستقرار السياسي بل، ويشكل هوية الدولة الحقيقية، لكن –وللأسف- أصبح مفهوم السيادة هلاميًّا غير واضح لتشابك المصالح الشخصية مع العلاقات الخارجية، وهو ما يعرض أمن البلد، واستقلاله للخطر الداهم.
لذلك يعد نضال العراق من أجل السيادة اليوم أمر بالغ الأهمية، ويتطلب قوة في هيئة السلطة السياسية الحقيقة مع ضرورة معالجة هذه التحديات متعددة الأوجه من خلال التغيير الشامل للنظرة إلى دول الجوار التي تنتهك سيادتنا، فمع وجود نظام قوي ملتزم بالوحدة الوطنية، والاستقلال الناجز يمكن للعراق أن يحقق إمكاناته الكاملة كدولة مستقلة قادرة على حماية أراضيها، ومستقبل أبنائها.
فأزمة السيادة في العراق هي أزمة متراكمة منذ عقود، وقد تجلت بشكل مخجل للغاية بعد عام (2003م) حتى اليوم تعد طبيعة النظام السياسي، وإدارة الدولة، والحكم، وسيادة ايديولوجية الأحزاب، والمذاهب، والمصالح الضيقة، وسوء الفهم الناتج عنها هو ما خلق من تلك الأزمة، وإشكالية مركبة في الفهم، والتطبيق، وجعل العراق يعاني من تأزم حقيقي في سيادته.