المحللون المتقلبون في العراق، عبيد الباذنجان ..
#سعد_الهموندي
يقال في المثل العام “ناقل الكفر ليس بكافر”، وهو ما اعتدنا عليه.. من فكرة أن يكون لدى الإعلام والصحافة ناقل لكلام المسؤولين أو تصريحاتهم، فيعمل على تحليلها بالصورة التي يمليها عليه ضميره أولاً ومستوى فكره وعلمه ثانياً، ومثل هؤلاء المحللين نستطيع أن نقول عنهم “ناقل الكفر ليس بكافر”، لكن الأمر قد يختلف بل وقد ينقلب كلياً، حين يتحول هذا المحلل من أداة النقل والتحليل إلى أداة إشعال فتيل الفتنة والتحريض، وهنا أؤكد على كلمة “أداة” أي أنه مجرد وسيلة بيد بعض السياسيين والنافذين بالدولة، يرمي إليه الفتات، فتراه يستشيط على القنوات الفضائية كما تستشيط حبة الذرة أو الشامية بالمصطلح الشعبي، لتنتفخ بشكلها الخارجي، أما داخلياً فهي خاوية على نفسها.
وهنا لا أوجه كلامي لجميع المحللين السياسيين، فجل احترامي لبعض المحللين القلة الذين يصمدون ويثبتون على آرائهم وأفكارهم ووجهة نظرهم، وينقلون الوقائع كما هي دون تزوير أو تحريف، بالمقابل فإن كلامي هنا أوجهه إلى الأدوات الرخيصة التي نراها تتقلب وتنقلب مع موجة الرياح التي يريدها أسيادهم، يتحركون وراء الفتات الذي يُرمى إليهم، فإن رمى سيدهم فتات طعامه يميناً صارت قبلتهم وصلاتهم وسجودهم نحو اليمين، وإن رمى فتاته نحو اليسار نراهم نحو اليسار يسجدون ويركعون، فلا ذمة ولا أخلاق ولا مبدأ إليه يتجهون، وهؤلاء هم خادمو الباذنجان، فقد قال أحد الأمراء لعبده يوماً: تميل نفسي إلى أكلة باذنجان، فقال العبد: الباذنجان! بارك الله في الباذنجان! هو سيد المأكولات، شحم بلا لحم، سمك بلا عظم، يؤكل مقلياً ويؤكل مشويّاً.
فقال الأمير : ولكن أكلت منه قبل أيام فنالني كَرْب، فقال العبد: الباذنجان! لعنة الله على الباذنجان! فإنه ثقيل غليط نفّاح، فقال الأمير: ويحك! تمدح الشيء وتذمُّه في وقت واحد؟!، فقال العبد: أنا عبد للأمير يا مولاي لا عبد للباذنجان، إذا قال الأمير نعم قلت نعم، وإذا قال لا قلت لا.
وهنا مربط الخيل في قصتنا، فغالبية المحللين السياسيين الذين تصدح أصواتهم ليسوا سوى عبيد السلطة، حتى أصبحنا أمام ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي اسمها “ظاهرة المحلل السياسي” مهنة من لا مهنة له، مهنة تستقطب الكثيرين لشحن الرأي العام بفتات السلطة، وأصبحنا نرى في المحطات الفضائية وعبر البرامج السياسية العديد من الذين يحملون صفة المحلل السياسي، وهم يميلون إلى جهات حزبية، بعيداً عن التجرد والحيادية، خاصة في أوقات الأزمات التي تعصف بالبلاد، إضافة إلى أن ظاهرة المحلل السياسي ترتبط بالاستقطابات الحزبية، لذلك هي تضلل الجمهور أكثر مما تسلط الضوء على طبيعة ما يجري، وهي في الحقيقة بيان وجهات نظر وشرح للأحداث أكثر مما ترتبط بالتحليل الذي يتطلب كثيراً من الموضوعية والتعامل مع البنى المكونة للأحداث، وفق الخطابات المعلنة للوصول إلى ما تتضمنه من حقائق غير معلومة واستشراف للمستقبل، لذلك من المخجل أن يحمل هؤلاء لقب محلل سياسي مع كم من العاطلين عن العمل الذين اتخذوا من التحليل مهنة، خاصة وأن أكثرهم لا يملك ذهنية تحليلية، بل تحولوا إلى أداة تتحرك وفق المناخ السياسي، وهم في وجهة نظري عبارة عن جيش من المرتزقة الذين يبيعون الكلام المعسول أو المسموم بألسنتهم مقابل دعم مالي أو وعود وظيفية، من أصحاب القرار.
وأخيراً أود أن أذكر هنا وعن تجربتي الخاصة، أنني استضفت الكثير ممن ظننت أنهم يحملون صفة المحللين الحياديين أو أصحاب المبدأ، ومدحوا أمامي كوردستان مثل العبد الذي مدح الباذنجان أمام سيده، لكن ما إن وجدوا يداً يسرى ترمي لهم الفتات، انقلبوا صاغرين فباتوا يسيئون إلى إقليم كوردستان اليوم وإلى ما يحدث في كركوك مزورين الحقائق والوقائع متناسين أن الأيام دول، وهم ذاتهم لم يجدوا في يوم من الأيام ملجأ لهم ومكاناً آمناً لعوائلهم أكثر من كوردستان بعدما طُردوا من منازلهم وقراهم، فقصدوا الإقليم يوم شدتهم فأجارهم، واليوم يقابلون المعروف بالإساءة وبتزوير الحقائق، فهذا الاصل الذي تربوا عليه، ومثلهم لا أصل له.