#مؤسسة_رؤى_للدراسات
تؤلمنا ذكريات مواقف شعرنا حينها أن الأشخاص الذين نحبهم لم يفهموا ما نقوله أو فهموه بطريقة خاطئة، لكن الضرر يتخطى حاجز الألم النفسي، فتعتمد طريقة تواصلنا ورد فعلنا على فهمنا ما يفكر به الآخرون، ومع ذلك فإن عملية فهم الآخر معقدة ولا يستطيع جميعنا القيام بها.
التفاهم غريزة لا تُكتسب
أجرى الباحثون في جامعة باث البريطانية استبيانا على أكثر من 4 آلاف شخص لاختبار قدراتهم الاجتماعية ومعرفة دوافع التفاهم أو الخلاف بين البشر، وطلب الباحثون من المشتركين تقديم تفاصيل عن خلفيتهم الاجتماعية والديمغرافية وتوجهاتهم السياسية، كما استخدموا “مقياس قراءة الأفكار” للتأكد من مدى فهم المشتركين ما يفكر به الآخرون.
ونظر علماء النفس في الصفات المرتبطة بفهم الآخرين، مثل تمييز مشاعر الشخص الآخر أو توقع ما سيفعله واحترام اختلافه، وفهم أسباب ودوافع المختلفين في الآراء والرغبات والنيات، وتندرج تلك الصفات جميعها تحت آلية معرفية يطلق عليها علماء النفس اسم “نظرية العقل”.
وحلل العلماء إفادات المبحوثين، وكان النوع الاجتماعي المؤشر الأكثر هيمنة على “نظرية العقل” يليه التعليم ثم المعتقدات السياسية والدخل وأخيرا العمر، وتوصلوا إلى أن التقدم في العمر يؤثر سلبيا على قدرة الإنسان في التفاهم مع من حوله، واعتبروا الأشخاص المسنين أفقر البشر لميزة التفاهم.
كما وجدوا أن الإناث المتعلمات ذوات قدرات فائقة في التعامل مع الآخرين وفهمهم وقراءة تعبيرات وجوههم أكثر من الرجال.
النساء يعرفن أكثر
كانت الدراسة السابقة خطوة ثانية لفريق جامعة باث نحو تقييم مدى فهم الناس ما يفكر به الآخرون، ففي فبراير/شباط 2021 طوّر الباحثون “مقياس قراءة الأفكار”، واعتمدوا فيه على بيانات من 4 آلاف مصاب بالتوحد وغير مصاب به في أميركا وبريطانيا من أجل فهم التحديات التي يواجهها مرضى التوحد في بناء العلاقات، وهي فئة معروف أن لديها صعوبات في فهم الآخرين.
فرّق الباحثون بين قراءة الأفكار والتعاطف، فتشير قراءة الأفكار إلى فهم ما يفكر به الآخرون، فيما يتعلق التعاطف بفهم ما يشعر به الآخرون.
وأوضح الباحثون أن الاختلاف هنا قد يبدو بسيطا لكنه مهم للغاية، وتسيطر على كل منهما شبكات دماغية مختلفة جدا، وكانت تلك أولى الدراسات العلمية التي تفرق بين التعاطف وقراءة الأفكار.
وجد الباحثون أن النساء أفضل بكثير من الرجال في وضع أنفسهن في مكان شخص آخر، والتعرف على الإشارات السلوكية الدقيقة التي قد تشير إلى أن شخصا نتحدث إليه يفكر في شيء لا يقوله، مثل أن يسخر منا ويدعي أنه يلقي نكات بريئة أو يكذب علينا في حين أنه يدعي غير ذلك.
وربما يفسر ذلك وفق “سيكولوجي توداي” (psychologytoday) باعتبار الأمر إحدى مشكلات القدرة على قراءة الأفكار، والتي تظهر بين الأطراف في العلاقات على هيئة مبالغة في تقييم قدرة الشريك، أو أحد أفراد الأسرة على قراءة أفكارهم الخاصة، على افتراض أنه ينبغي على أي شخص يعرفهم جيدا أن يعرف ما يفكرون به أو يشعرون به وإن لم يعبروا عنه بصوت عال.
ربط باحثون من جامعتي نورث إيسترن وشيكاغو بين قراءة الأفكار ورؤيتنا للبشر في حالات الأشخاص المصابين بالتوحد والذكور عبر 4 تجارب نفسية.
واكتشف الباحثون أن النساء ينظرن إلى الإنسان رؤية ثنائية، أي تفرّق بين الجسم والعقل أو ما نعده في ثقافتنا العربية ثنائية الروح والجسد أو ثنائية المشاعر والأفكار، لذلك ترى النساء أبعادا أعمق في حديث الآخر، لاستنتاج مشاعره وأفكاره بناء على سلوكه وأفعاله، وافترض الباحثون أنها آلية نفسية ربما تولد بها النساء.
أما الأشخاص أحاديو الرؤية فلا يميزون بين العقل والجسد، وعندما أعاد الباحثون التجربة بين النساء والرجال الأصحاء وجدوا أن الرجال كانوا أكثر عرضة من النساء لتصديق أفكار الشخص ومشاعره دون تشكيك.
ويتماشى ذلك السلوك مع حقيقة أن الأشخاص المصابين بالتوحد مثلهم مثل الذكور يحصلون على درجات أقل في الاختبارات التي تفحص قدرتهم على التفكير في ما يدور في أذهان الآخرين، وذلك سبب في أنه غالبا ما ينظر إليهم على أنهم يعانون مشاكل اجتماعية.