#مؤسسة_رؤى_للدراسات
فيما يبدو بداية لتصحيح المسار الاقتصادي المتراجع عين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة المسؤولة المالية السابقة في “وول ستريت” حفيظة غاية إركان حاكمة للمصرف المركزي التركي، في مؤشر إلى تحول محتمل في سياساته غير التقليدية الرامية لمكافحة التضخم.
وكان الرئيس التركي وعد مناصريه في برنامجه الانتخابي بتشكيل فريق اقتصادي قوي ومستقل يحظى بمكانة دولية مرموقة، لاتخاذ إجراءات جدية لمعالجة الوضع وتقديم خطة مستقبلية لبناء اقتصاد تركيا لما بعد المئوية الأولى لقيام الجمهورية الحديثة.
وبمجرد أن بدأ الرئيس التركي فترة الولاية الرئاسية الثالثة أعلن حكومته الجديدة السبت الماضي، إذ عين محمد شيمشك المتخصص الاقتصادي السابق لدى “ميريل لينش” وزيراً للمالية، وكان اختيار الأخير بمثابة مفاجأة، إذ إنه كان في السابق وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء في حكومات سابقة بزعامة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكان أكثر المعارضين لسياسات أردوغان غير التقليدية المتمثلة بخفض معدلات الفائدة لمواجهة التضخم.
وبعد تولي حفيظة غاية إركان منصبها الجديد تكون أول امرأة تتولى منصب حاكم المصرف المركزي التركي، بعد أن عملت كرئيسة تنفيذية سابقة لشركة “غريستون” للتمويل العقاري ورئيسة تنفيذية لمصرف الجمهورية الأول “فيرست ريبابليك بنك”، كما عملت مديرة عامة لـ”غولدمان ساكس”.
وتتولى إركان التي نشر خبر تعيينها في الجريدة الرسمية التركية اليوم الجمعة المنصب خلفاً لشهاب قاوغي أوغلو الذي خفض معدلات الفائدة على رغم قيام المصارف المركزية حول العالم بعكس ذلك لمواجهة التضخم، إذ خفض معدل الفائدة إلى 8.5 في المئة في حين كان المعدل 19 في المئة عام 2021.
خسائر الليرة
أما على صعيد خسائر الليرة منذ بدء الولاية السابقة للرئيس التركي ففقدت العملة التركية أكثر من 80.5 في المئة من قيمتها في مقابل نظيرتها الأميركية، إذ قفز سعر صرف الدولار من مستوى 4.48 ليرة في يونيو 2018، إلى نحو 23 ليرة في الوقت الحالي، لتصل مكاسب الورقة الأميركية الخضراء إلى أكثر من 413.4 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بمتوسط مكاسب سنوية تقترب من 70 في المئة.
وقبل أيام ارتفعت نسبة متداولي المشتقات المالية الذين يتوقعون تراجع سعر صرف الليرة التركية إلى 29 ليرة لكل دولار من المستويات الحالية عند 20 ليرة، إلى 53 في المئة في مقابل 36 في المئة كانوا يتوقعون صعودها إلى هذا المستوى بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا.
وحول تعيين إركان قالت المحللة البارزة لدى “سويسكوت بنك” إبيك أوزكاردسكايا في مذكرة إن “البنك المركزي استبدل المصرفي الذي كان مجرد دمية”، مشيرة إلى أن “الحاكمة الجديدة ستعيد المصرف على الأرجح إلى سياسة نقدية أكثر تقليدية تستدعي رفع المعدلات، متوقعة تراجع التدخلات في سوق الصرف الأجنبي التي ستؤدي أولاً إلى تراجع إضافي في قيمة الليرة للحاق بالركب بعد غيبوبة باهظة الكلفة استمرت عاماً ونصف عام”.
ولدت إركان في تركيا وتخرجت من جامعة بوغازجي المرموقة في إسطنبول، ونالت منحة لدراسة الدكتوراه في برينستون الأميركية، وانضمت عام 2005 إلى غولدمان ساكس كمعاونة لتعين مديرة عامة في 2011.
عملت لاحقاً في مصرف الجمهورية الأول عام 2014، إذ تولت مناصب نائبة رئيس أولى وكبيرة مسؤولي الاستثمار ورئيسة مشاركة للمخاطر.
وقبل اجتماع البنك المركزي التركي في الـ22 من يونيو (حزيران) الجاري لبحث موقف أسعار الفائدة سجل معدل التضخم في تركيا إلى أقل من 40 في المئة في مايو (أيار) للمرة الأولى منذ 16 شهراً، ويعتقد اقتصاديون مستقلون بأنه أعلى من ذلك بكثير.
المستثمرون يترقبون
ويعول المستثمرون كثيراً بعد اختيار فريق اقتصادي كان آخرهم أركان لإعادة تصحيح المسار الاقتصادي، إذ يشير محللون إلى أن المستثمرين غير مهتمين بدرجة الموهبة لدى الفريق الاقتصادي الجديد بقدر اهتمامهم بقدرتهم على مقاومة الضغط من أردوغان الذي سبق ووصف معدلات الفائدة المرتفعة بأنها “أساس الشر كله”.
وفي أول تصريح له بعد إعلانه وزيراً للمالية، قال محمد شيمشك
إن “بلاده لا خيار لديها إلا العودة لأساس منطقي في السياسات الاقتصادية لضمان القدرة على التنبؤ بتبعاتها”.
وقال على “تويتر”، “لا يوجد طريق مختصر أو حلول سريعة، اطمئنوا بأن خبرتنا ومعرفتنا وتفانينا سيساعدوننا في تجاوز أي عوائق محتملة”، مضيفاً “تتمثل أولويتنا بتعزيز فريقنا وتصميم برنامج يمكن الوثوق به”.
وفسر المحللون هذا التصريح المقتضب على أنه بمثابة انقلاب على السياسات التي انتهجها البنك المركزي التركي خلال السنوات الماضية، التي تسببت في وصول التضخم إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، خصوصاً أن شيمشك معروف عنه تأييده للنظريات الاقتصادية التقليدية، وهو أمر يتعارض مع وجهة نظر أردوغان التي تميل إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم المتزايد بدلاً من علاجه.
وقال متخصص الاقتصاد المتخصص بالأسواق الناشئة تيموثي آش على “تويتر” إنه “سيحكم على شيمشك وإركان بناء على التحركات المرتبطة بالسياسة النقدية والتضخم والليرة”.
التحديات
وتشمل التحديات الرئيسة التي يواجهها إركان هذا العام إصلاح جو العمل في المصرف المركزي، بحسب كبير المتخصصين الاستراتيجيين بالأسواق الناشئة إريك مييرسون، إذ قال على “تويتر” إنه “جرى تطهير وإعادة تعيين وخفض رتب وإقصاء عديد من أفضل خبراء الاقتصاد وهناك مواهب كامنة يجب أن تسعى إلى جذبها، لكن هل سيرغبون بالعودة؟”.
خفض التصنيف الائتماني لتركيا
وتسببت سياسات خفض أسعار الفائدة التي انتهجها الرئيس التركي وفرضها على البنك المركزي في عديد من الأزمات، وتصدر التضخم المرتفع قائمة الأزمات العنيفة التي واجهت الأتراك، وأرهقت الخسائر العنيفة التي طاردت الليرة الأسر التركية بعد أن سجل التضخم مستوى يتجاوز 85 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
الأزمات الاقتصادية التي تحاصر الاقتصاد التركي، خصوصاً ما يتعلق منها بانهيار الليرة وارتفاع معدل التضخم مع استمرار تهاوي احتياطات البلاد من النقد الأجنبي في إطار محاولات احتواء خسائر الليرة في مقابل الدولار الأميركي، دفعت مؤسسة “أس أند بي غلوبال ريتينغز” للتصنيف الائتماني، إلى خفض نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى سلبية بدلاً من مستقرة، مشيرة إلى سلسلة التحديات التي تواجه إسطنبول بما في ذلك كلفة التعافي من الزلازل والتضخم الذي خرج عن السيطرة.
ولفتت الوكالة إلى أن عمليات إعادة الإعمار في أعقاب سلسلة من الزلازل التي ضربت البلاد خلال فبراير (شباط) الماضي، تحتاج إلى تمويل داخلي وخارجي يصل إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وخلال فبراير الماضي خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة الأساسي إلى 8.5 في المئة على رغم أن التضخم السنوي كان يدور حول مستوى 55 في المئة، مقارنة بهدف البنك الرسمي البالغ نحو خمسة في المئة.
وفي أغسطس (آب) الماضي خفضت وكالة “موديز” تصنيف تركيا إلى B3 مشيرة إلى أن “مخاطر ميزان المدفوعات”، بينما خفضت وكالة “فيتش” تصنيف الديون السيادية لتركيا إلى B في يوليو (تموز) الماضي بسبب مخاوف ارتفاع التضخم.