#مؤسسة_رؤى_للدراسات
انخفضت قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، حتى وصل سعر الصرف إلى حدود 1700 دينار مقابل الدولار الواحد، في حين يبلغ السعر الرسمي للدولار المُباع من قبل البنك المركزي العراقي 1450 دينارا لكل دولار، ما دفع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاتخاذ قرار عاجل برفع قيمة الدينار إلى 1300 واعتماده في الموازنة المالية للعام الجاري 2023.
ويؤكد مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن “القرار يتناسب مع الارتفاع في الحساب الجاري لميزان المدفوعات وكذلك يؤازر ارتفاع الاحتياطات الأجنبية التي لامست 115 مليار دولار”.
وكان البنك المركزي العراقي لجأ إلى خفض سعر صرف العملة المحلية من 1180 إلى 1450 دينارا مقابل الدولار، من أجل تسديد النفقات المالية العامة والديون تجنبًا لإفلاس العراق نتيجة هبوط أسعار النفط الخام، المصدر الرئيس للإيراد النقدي.
ويعتمد العراق في بناء الموازنة المالية على الإيرادات المتحققة من بيع النفط الخام بنسبة تصل إلى 96%، إذ يبلغ حجم الإنتاج النفطي للعراق حاليا أكثر من 4 ملايين برميل يوميا حسب محددات “أوبك بلس”، وتبلغ طاقته التصديرية أكثر من 3 ملايين برميل يوميا.
وتعليقا على ذلك، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي الدكتور جمال كوجر إن قانون الموازنة غير مرتبط من حيث إقراره من عدمه بتغيرات سعر الصرف، معتبرًا أن على الحكومة العراقية “ضغط النفقات التشغيلية والاستثمارية في الموازنة العامة بما يساوي الفرق في سعر الصرف، للحيلولة دون ارتفاع العجز المالي أكثر مما هو مخطط له والبالغ 60 تريليون دينار”.
وأضاف كوجر أن العجز وفق قانون الإدارة المالية يجب ألا يتجاوز نسبة 3% من حجم الناتج المحلي الإجمالي المُقدر 250 تريليون دولار، وعليه فإن تطبيق ما نص عليه القانون بخصوص العجز قد يكون خيارًا ثانيًا أمام الحكومة العراقية.
وكان صندوق النقد الدولي اشترط على الحكومة العراقية عام 2020 تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية من بينها تغيير سعر الصرف لمدة 5 سنوات، ويقول كوجر إن تلك الشروط ليست مفروضة على العراق، بل كانت بمثابة نصائح وتحذيرات من استمرار الحكومة بنفس سعر الصرف 1180 دينارا، لكون ذلك سيؤدي لانهيار الاقتصاد.
وبشأن الحديث عن ذهاب الحكومة العراقية لإعداد موازنة للسنوات الثلاث المقبلة، يقول كوجر إنه حسب قانون الإدارة المالية فإن الحكومة مكلفة بإعداد موازنة مالية لـ3 سنوات.
ويضيف أن “موازنة العام الأول (2023) يكون تطبيقها إجباريا وإلزاميا ويشرعها البرلمان العراقي بعد إرسالها من قِبَل حكومة السوداني، أما في عامي (2024-2025) ستكون موازنات مقترحة من قبل الحكومة حتى تستطيع أن تترجم كل برنامجها في موازنات لإيضاح صورتها أمام مجلس النواب خلال عمرها التنفيذي”.
من جانبه، يصف الخبير المصرفي عقيل الأنصاري القرار بـ”المتسرع”، حيث سيدفع وزارة المالية إلى إعادة صياغة قانون موازنة 2023 وتقليص النفقات وتأخرها، وأيضا لتقليص الإنفاق الحكومي بشقيه الاستثماري والتشغيلي، ما يعني عدم تثبيت عقود أو وظائف جديدة، مما سيسهم في ارتفاع البطالة والفقر في العراق.
ويقول الأنصاري إن القرار كان بعيدا عن النظرة الاقتصادية الشاملة للدولة، وكان مجرد استجابة للضغوط الشعبية والسياسية لسد الفجوة بين السعر الرسمي وسعر الصرف في السوق الموازية التي اتسعت بعد إدخال البنك المركزي نظام سويفت المالي (Swift) نهاية عام 2022، للسيطرة على الحوالات الخارجية والتي كان يشوبها الكثير من الفساد وتعتبر وسيلة سهلة لغسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج.
تداعيات القرار
ويحمل قرار حكومة السوداني آثارا سلبية يشخصها الأكاديمي الاقتصادي الدكتور علي دعدوش، منها ارتفاع العجز المالي في الموازنة بسبب تقدير سعر برميل النفط فيها بنحو 65 دولارا مع سعر صرف الدولار 1300 دينار.
وأضاف دعدوش، أن حجم الإيرادات النفطية تُقدر بـ106.5 تريليونات دينار (81.9 مليار دولار)، أما الإيرادات غير النفطية تُقدر بـ10 تريليونات دينار، مع إضافة حساب الأمانات الضريبية المدور عن عام 2022 قرابة 23.8 تريليونًا، ليصبح إجمالي الإيرادات العامة نحو 140.3 تريليون دينار، وإجمالي النفقات العامة الكلية فتقدر بنحو 150 تريليونًا، ليكون الفارق قرابة 10 تريليونات دينار مقدار العجز المخطط.
ومع ذلك يشخص دعدوش بعض التداعيات الإيجابية للقرار، ومنها:
انخفاض تدريجي لمستوى التضخم، كون أغلب السلع والبضائع مستوردة.
انتشال السوق المحلية من الانكماش الحاصل خلال الشهرين الماضيين إبان أزمة ارتفاع الدولار التي تسببت في خلل إضافي بالأسواق المحلية.
وبين الآثار السلبية والإيجابية كان لا بد من قرار يُتخذ من قبل الحكومة العراقية لمعالجة الأزمة الحادة التي أصابت السوق المحلية، خاصة مع الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار الذي انعكس بصورة مباشرة على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية مسببة الضرر الكبير على قوت المواطن الفقير وذوي الدخل المحدود، وفق دعدوش.