#مؤسسة_رؤى_للدراسات
يعتزم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الاستمرار بخطوات الحكومة السابقة في إنشاء مدينة إدارية جديدة، ونقل عديد من مؤسسات الدولة إلى أطراف العاصمة بعد أن وصل الازدحام المروري إلى مستويات تهدد بتوقف الحياة اليومية خصوصاً في فترة الصباح.
وأصدر السوداني سلسلة من القرارات والتوجيهات إلى الوزارات العراقية، تضمنت نقل موقعي مصفى الدورة إلى جنوب العاصمة ومعرض بغداد الدولي إلى غرب بغداد، اللذين يستقبلان يومياً عشرات آلاف الموظفين والمراجعين، فضلاً عن نقل أشهر سجون بغداد الأمنية وهو سجن الشعبة الخاصة (الاستخبارات العسكرية سابقاً) وبعض مؤسسات الدولة الأخرى إلى خارج منطقة الكاظمية.
وسيؤدي إنشاء العاصمة الإدارية إلى تخليص بغداد من الفوضى الحاصلة فيها حالياً نتيجة هجرة ملايين إليها بعد عام 2003 من محافظات مختلفة، وبروز نحو 1000 مجمع عشوائي داخل العاصمة يعيش فيه أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وأدى تراجع المستوى الخدماتي في أغلب مدن وسط العراق وجنوبه وافتقار أغلبها إلى مقومات المدن الحقيقية، سواء من ناحية فرص العمل أو الترفيه أو الحريات العامة، إلى استمرار الهجرة تجاه العاصمة بغداد خصوصاً بعد الاستقرار الأمني النسبي الذي تعيشه منذ انتهاء الحرب على تنظيم “داعش”.
دراسة متكاملة
ويتجه العراق لتشييد عاصمة إدارية جديدة له بعد أن توصلت السلطات إلى قناعة تامة بضرورة الإسراع في هذه الخطوة، لتلافي التوسع السكاني الهائل داخل العاصمة ومجموعات العشوائيات الكبيرة التي تهدد بانهيار قطاع الخدمات خلال سنوات قليلة.
وكانت بداية المشروع عبر دراسة شاملة تقدمت بها وزارة التخطيط العراقية في سبتمبر (أيلول) 2018، تقترح إنشاء مدينة إدارية جديدة للبلاد تنتقل إليها جميع مؤسسات الدولة ومقارها بهدف تخفيف الضغط عن العاصمة، التي تراجعت الخدمات فيها إلى مستويات خطرة، وأصبحت التجاوزات فيها سواء سكنية أو تجارية هي البديل عن واجهتها الحضارية المعروفة بها تاريخياً.
البرلمان داعم للمشروع
وقال عضو لجنة الخدمات والإعمار في مجلس النواب محما خليل إن البرلمان سيدعم هذا المشروع، كونه خطوة حضارية وسيفك الخناق عن العاصمة بغداد.
وأضاف أن اللجنة “ترحب بهذه الخطوة وستكون داعمة لها، وهذا يمهد لإنشاء مشروع العاصمة الإدارية الذي تعمل الحكومة على تبنيه كما هو حال الدول المتقدمة ودول المنطقة لفك الخناق على العاصمة بغداد”، مبيناً أن هذه الخطوة تحتاج إلى إنشاء مبان وطرق جديدة وتوفير البنى التحتية لتلك المناطق التي يتم فيها إنشاء الوزارات البديلة.
تخصيصات مالية
وأوضح خليل أن هذه الخطوة بحاجة إلى تخصيصات مالية وسيكون البرلمان داعماً لوضع مثل هذه التخصيصات، لاسيما أن هذا المشروع سيمتص الزخم عن بغداد وسيشجع على الاستثمار في تلك المناطق لاسيما في مجال السكن، مرجحاً أن ينجز مثل هذا المشروع خلال وقت قصير إذا ما كانت هناك إرادة لتنفيذه.
فيما يرى الخبير الاقتصادي صفوان قصي أن نقل الوزارات سيعمل على تسهيل النقل واختصار الوقت، مشدداً على ضرورة بناء مساكن للموظفين قرب الوزارات الجديدة.
وقال قصي إن “عملية توزيع الوزارات تمت بشكل غير منظم، كما أن زيادة السكان في العاصمة إلى جانب عدد الموظفين الكبير تحتاج إلى تخطيط حضري وإقليمي للعاصمة”، لافتاً إلى ضرورة نقل جميع الوزارات وليس فقط الوزارات التي ذكرت من قبل رئيس الوزراء.
وأوضح قصي أنه من الضروري إقامة استثمارات قرب موقع الوزارات الجديد، وترتيب أوضاع الموظفين في هذه الدوائر من خلال إنشاء مجمعات سكنية قريبة لتلك الوزارات، مبيناً أن هذا الأمر سيعني إيجاد نظام متكامل لإيصال الموظفين إلى موقع عملهم، لكون إنشاء الوزارة من دون تجمعات سكنية قريبة سيخلق أزمة جديدة للموظفين.
خطوة صحيحة
وأضاف أن إعادة هيكلة الوزارات الاتحادية وإنشاء موقع تجمع لها يمثلان خطوتين بالاتجاه الصحيح، إلا أنه ينبغي أن تكونا جزءاً من خطة التخطيط الحضري والإقليمي ليس للعاصمة بغداد وإنما للمحافظات كافة، داعياً إلى الالتزام بالطرق الهندسية للتخطيط وألا تكون ارتجالية وعملية فوضوية تعرقل وصول الموظفين إلى مناطق عملهم الجديدة.
وعن موقع المكان الجديد بين أن “اختيار الموقع من اختصاص الجهات الحكومية المختصة التي يفترض أن تبحث قدرة وسائل النقل على الوصول إليها، ولا بد أن تكون قرب الطريق الدائري حول العاصمة من أجل أن يكون هناك استيعاب للنمو والقدرة على الوصول”، لافتاً إلى أن “الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية سيعني عدم وجود مشكلات لمراجعي هذه الدوائر، لكون كثير من الروتين سيتم حله، ولن تكون هناك مراجعات كبيرة لهذه الدوائر”.
استثمار المواقع
ومن الممكن أن يكون هناك استثمار للمواقع القديمة لتمويل بناء المواقع الجديدة لاسيما أنها تقع في قلب العاصمة، بحسب قصي، الذي اعتبر أن نقل الوزارات سيسهل عملية مراقبتها.
مدن تخصصية
ودعا قصي إلى إنشاء مدن تخصصية مثل المدن الإعلامية والثقافية والسياحية، مرجحاً أن يتم إنجاز المدينة الجديدة خلال سقف زمني لا يتخطى العامين، لكون التصميم الإداري يختلف عن السكني ويحتاج إلى شركات متخصصة لتنفيذه وفق الطراز الحديث.
وبحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، فإن المنطقة المرشحة لإنشاء المدينة الإدارية الجديدة هي مدينة “بسمايا” التي تقع بحدود 10 كيلومترات جنوب شرقي العاصمة بغداد وعلى مساحة تمتد لـ 50 كيلومتراً مربعاً.
وأضاف الهنداوي أن فكرة المدينة الإدارية تتمثل في نقل كل المؤسسات الإدارية الممتدة من “نصب الشهيد” شرقاً إلى “نصب الجندي المجهول” غرباً وخلق التنمية، مما يسهم في تخفيف الزخم الحاصل في مناطق قلب العاصمة، وتتحول المباني ومؤسسات الحكومة إلى مراكز ترفيهية ومناطق أخرى.
على رغم محاولات الحكومات العراقية المتعاقبة خلق مدن حقيقية منافسة لمكانة العاصمة العراقية بغداد في ملفات فرص العمل والخدمات والترفيه، إلا أنها لم تحقق إنجازاً يذكر في أغلب المدن العراقية، باستثناء ما حصل في إقليم كردستان من تطور عمراني كبير خلال السنوات القليلة الماضية.