التغيير قادم في تركيا بعد انتخابات الرئاسة أيار 2023 .
#د_رعد_العزاوي
#مؤسسة_رؤى_للدراسات
ان المعطيات الاقتصادية، والسياسية الدولية في تركيا بداية عام 2023، تشير الى ان التغيير في تركيا حاصل لا محالة، سواء فاز حزب الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان، او خسر الانتخابات الرئاسية الحالية لعام 2023 ، والتغيير سيطال السياستين المحلية، والخارجية لا سيما بعد فشل المشروع التركي الإقليمي التوسعي في تطبيق العثمانية الجديدة، وخروج رائده المفكر احمد داود وغلو رئيس وزراء تركيا الأسبق، مع وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان من حزب العدالة والتنمية الحاكم وانضمامهم الى صفوف المعارضة المشكلة من تحالف الأحزاب الستة، او “طاولة الستة” وهي امتداد لتحالف الامة المعارض وتضم : أحزاب الشعب الجمهوري ، وحزب جيد، وحزب السعادة المحافظ، وحزب الديمقراطية والتقدم ” ديفا”، وحزب المستقبل، والحزب الديمقراطي ، وهي معارضة تطالب بالعودة الى النظام البرلماني ومغادرة النظام الرئاسي الذي اسسه رجب طيب اردوغان بمساندة حزب العدالة والتنمية عام 2018، ومن الواضح ان مشهد المعارضة اليوم ليس مثل مشهد المعارضة في الانتخابات السابقة لأنه يضم أعضاء من حزب العدالة والتنمية، وأيضا أحزاب خرجت من تحالفاتها مع حزب لعدالة والتمية لتشكل مع أحزاب أخرى معاضة سياسية قوية ضد حزب العدالة والتنمية التركي برئاسة اردوغان .
العامل الاقتصادي المحلي:
ان الاقتصاد التركي يعاني من ارتفاع متواصل لنسب التضخم حتى وصلت الى 79% مع بداية عام 2023 وهي اعلى نسبة تضخم في العالم، مع ارتفاع نسبة البطالة الى حدود 10% في نفس الفترة، وترافقت تداعيات جائحة كرونا الاقتصادية مع التداعيات الاقتصادية لسلسلة الزلازل التي ضربت 10 مقاطعات تركية فبراير 2023 والتي قدرت اضرارها بعشرات المليارات من الدولارات الامريكية، وبضمنها التراجع الخطير لمعدلات الإنتاج الزراعي والحيواني التركي المتزامن مع تراجع الإنتاج الزراعي والحيواني في أوكرانيا الذي حذرت من اثاره منظمة الغذاء العالمي ” الفاو” لانهما يلحقان الضرر الجسيم على الامن الغذائي لدول العالم لا سيما دول منطقة الشرق الأوسط، وحوض البحر الأبيض المتوسط، . كما ان تراجع معدلات توافد السواح الأجانب، والاستثمارات الأجنبية في تركيا أضاف خسائر أخرى للاقتصاد التركي. ان الاقتصاد التركي شأنه شأن اقتصاديات الدول الأخرى يتأثر بشكل كبير بتفاعلات القوى السياسية المحلية، فاستقرار الوضع السياسي له تأثير إيجابي في تطور معدلات النمو، والعكس صحيح فإن غياب الاستقرار السياسي يؤدي الى نتائج سلبية على معدلات النمو الاقتصادية، كما ان اختلاف وجهات النظر بين القادة السياسيين حول برامج الاستثمار، والادخار، ونسب الضرائب، وتنظيم وتطوير النشاطات الاقتصادية الوطنية مع النشاطات الاقتصادية الإقليمية والدولية هو الاخر يلحق ضرر بالغ بالاقتصاد التركي.
ان مراهنة تركيا في تدعيم اقتصادها الوطني على زيادة حجم ونوع صادراتها لدول العالم لا سيما لدول منطقة الشرق الأوسط مراهنة محفوفة بالمخاطر بسبب وجود متغيرات كبيرة في الخرائط السياسية لدول العالم بعد ان انشطر الى قسمين أحدهما مع المحور الصيني الروسي والأخر مع المحور الأمريكي، ودول الاتحاد الأوربي.
كما ان الفشل التركي في احتواء التداعيات الأمنية لنشاطات حزب العمال الكوردستاني التركي القتالية في جنوب البلاد، وعند التخوم المشتركة مع سوريا، والعراق رتب خسائر بشرية ومادية كبيرة ومتواصلة جعلت أصوات المعارضة لحزب العدالة والتنمية ترتفع وتطالب بالتغيير، وتطالب بضرورة حسم هذه المسألة التي تشكل نزيف دائم للقوة البشرية، والاقتصادية في تركيا. وان المعارضة لسياسية في تركيا تطالب بنهاية وجود أكثر من خمسة ملايين لاجئ اجنبي اكثر من نصفهم من سوريا لأسباب اقتصادية، وأخرى امنية واجتماعية.
العامل الدولي:
ان فشل المشروع الإقليمي التركي بالتعاون مع قطر في تغيير الأنظمة السياسية العربية في الشرق الأوسط الى أنظمة سياسية إسلامية ” الاخوان المسلمين” من خلال ما اطلق عليه بمشروع ” ثورات الربيع العربي” ، الذي جلب الويلات والحروب الاهلية والتوترات الأمنية في تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، والعراق، والصومال، واليمن، والسودان ، هذه الثورات الحقت اضرار اقتصادية كبيرة في اقتصاديات هذه الدول، وفي اقتصاديات الدول التي لها اتفاقيات تعاون واستثمار معها، كما ان تداعياتها تم توظيفها كمدخل لتغلل نفوذ القوى الدولية المناهضة لنفوذ ومصالح التحالف الأمريكي الأوربي في المنطقة.
ان انحياز تركيا وامعانها في تطبيق مشاريعها وفق رؤيتها الخاصة بعيدا عن التشاور والتفاهم مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي ومع الولايات المتحدة في مسائل التنقيب عن النفط واغاز في جزر بحر ايجة المحاذية لجزيرة قبرص، وفي مناطق حوض البحر الأسود، وإقامة تعاون وتفاهم مع روسيا الاتحادية في المجالات الاقتصادية، والتعاون في انتاج الطاقة النووية، ووقوفها على الحياد تحت مسوغ الوساطة في الحرب بين أوكرانيا حليفة الغرب، وروسيا الاتحادية التي تشكل تهديداَ مؤكدا على المصالح الامريكية والاوربية في اوربا ومنطقة الشرق الأوسط، وفي منطقة بحر الصين الجنوبي الذي يشهد تعاون جيوستراتيجي روسي صيني يهدد النشاطات التجارية العالمية الامريكية والاوربية في اكبر حوض بحري للتجارة الدولية في العالم .
ان الحليف الأمريكي الأوربي الذي انقذ النظام السياسي والاقتصاد التركي بعد الحرب العالمية الأولى في عهد حكومة كمال اتاتورك في اطار مشروع تعميم الثقافة ، والحضارة الغربية في تركيا على حساب تخليها عن الثقافة والحضارة الاسلامية، وانقذ امن، واقتصاد تركيا حقبة الحرب الباردة في اطار مشروع مارشال للمساعدات الدولية، وطور الصناعة المدنية والعسكرية لتركيا لا سيما عبر الطرف الألماني لتصل الى ما وصلت اليه الان من المكانة الإقليمية، والعالمية المتقدمة ، هذا الحليف الذي يحتضن في أراضيه قادة المعارضة التركية السياسية الحالية غير راضي عن السياسة الإقليمية والدولية لتركيا التي تعبر عن مواقفها الحيادية، واحيانا مغازلة المحور الروسي الصيني ، الكوري الشمالي، الهندي البرازيلي، وتنظم تفاهمات مع روسيا في مسائل سياستهما، مصالحهما المشتركة تجاه دول اسيا الوسطى ، وإنتاج الطاقة النووية، وتطبق مشاريع في انتاج، واستثمار، وتصدير النفط والغاز بعيدة عن التفاهمات والتعاون مع الحليف الاستراتيجي التقليدي الغربي لها.
تركيا في ظل مواقفها في السياسة الدولية البعيدة عن الرؤية الامريكية الاوربية، وفي زمن يتطلب تحديد واضح ودقيق لمواقف الدول فيما يتعلق ركوب أي عربة؛ عربة التحالف الأمريكي الأوربي الياباني الكوري الجنوبي وحلفائهم التقليديين في جنوب شرق اسيا، وامريكا اللاتينية، ومنطقة الشرق الأوسط؛ ام مع عربة التحالف الصيني، الروسي، الإيراني، الكوري الشمالي وحلفائهم التقليديين في العالم.
ان التغيير حاصل لا محالة في تركيا عام 2024 لان النفوذ، والمصالح الغربية الامريكية الاوربية متغلغلة ومتجذرة داخل الاهرامات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، الثقافية التركية، وان نفوذ الأطراف الأخرى لا تمتلك مرتكزات كفيلة في المحافظة على بقاء المواقف التركية الحيادية السياسية الحالية في البيئة الدولية.