#مؤسسة_رؤى_للدراسات
باشرت قيادات الشرطة في محافظات وسط وجنوبي العراق، منذ أيام، العمل على تشكيل لجان داخل المدن والبلدات في المحافظات المختلفة، للحد من ظاهرة السلاح المنفلت، والذي بات مصدراً رئيسياً مهدداً للأمن والاستقرار في تلك المحافظات، خصوصاً مع تكرار النزاعات العشائرية، والارتفاع الواضح بمعدلات الجريمة المنظمة.
وتأتي الخطوة تنفيذاً للوعود التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وسط شكوك بقدرته على التنفيذ.
ويعد السلاح المنفلت في العراق واحداً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار “حصر السلاح بيد الدولة”، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه. ويرجّح مراقبون عدم إمكانية الحكومة تنفيذ وعودها، في ظل تداعيات سياسية متقاطعة بهذا الاتجاه.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و”بي كي سي”، و”آر بي كي” الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ “آر بي جي” التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وتملك أغلب هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، وانعدام الأمن واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.
واستهل السوداني عمله الحكومي بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد. ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي، إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية في قدرته على الوفاء به. وأخيراً شكلت وزارة الداخلية العراقية، لجنة وطنية دائمة لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة. ووجهت قيادات الشرطة في المحافظات بتنفيذ التوجيه.
خطوات جدية لحصر السلاح
المتحدث باسم قيادة شرطة محافظة المثنى جنوبي العراق، العميد علي نجم قال، إنهم باشروا منذ مدة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية في العاصمة بغداد، بحملة توعية وتحذير واسعة من مشكلة السلاح، وانتقلوا إلى توزيع البروشرات (كتيبات)، وزيارة مضايف العشائر والدواوين في هذا الخصوص.
وأضاف أنهم الآن “دخلوا في مرحلة تفتيش المناطق الساخنة (ذات المشاكل العشائرية المرتفعة)، إلى جانب تفتيش الدور السكنية وأماكن وجود الأسلحة، والحد من هذه الظاهرة”.
من جهته، قال مسؤول عراقي في بغداد، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن هناك نقاشات جدية داخل وزارة الداخلية ومع مكتب القائد العام للقوات المسلحة، لفتح مراكز لشراء الأسلحة من المواطنين، بغية دفعهم إلى تسليمها للدولة.
وأضاف المسؤول أن المشروع قيد الدراسة الجدية، وفي حال الاتفاق عليه سيتم تخصيص أموال كبيرة لشراء السلاح، خصوصاً المتوسط، من المواطنين مثل القاذفات ومدافع الهاون، والقنابل اليدوية، وبنادق الـ”بي كي سي” و”آر بي كي”، وأسلحة أخرى خطيرة، أغلبها روسية الصنع.
وأشار إلى أن الدولة تستهدف سحب ما لا يقل عن مليون قطعة سلاح متوسط بالمرحلة الأولى، في حال تم إقرار حكومة السوداني للخطوة، التي قد تستهوي رجال العشائر والمواطنين العاديين ببيع سلاحهم. وفي إشارة إلى سلاح المليشيات المسلحة، قال إن “السلاح الموجود لدى الفصائل المنضوية ضمن الحشد الشعبي لا يعتبر سلاحاً منفلتاً”.
نفوذ سياسي يعيق خطوات حصر السلاح
لكن النائب المستقل حيدر الحسناوي اعتبر، أن التوجّه لإنهاء مشكلة السلاح المنفلت “مستحيل التنفيذ، لا سيما مع وجود قوى السلاح التي تمسك بالسلطة (في إشارة إلى الفصائل المسلحة وقياداتها السياسية التي تشارك في الحكومة)”، معتبراً أن ذلك “يجعل أي خطوة من قبل الحكومة محاولة خجولة، وهذه الإجراءات التي تقوم بها هي إجراءات روتينية، سبقتها إليها كل الحكومات السابقة، ولم تحقق أي نتائج تذكر وهذا أمر مفروغ منه”.
عمليات “نزع” السلاح المنفلت في العراق: جدل الاستمرار والنتائج
وشدّد على أن “جماعات السلاح أقوى من الجهات الحكومية، وكل المشكلات في العراق، وحتى الفساد يمكن حله في حال تم حل مشكلة السلاح”، مضيفاً: “ندعم أي خطوة من قبل وزارة الداخلية تجاه عملية حصر السلاح، ومنه الذي بحوزة المواطنين والعشائر”.
ويرى مراقبون سياسيون إمكانية نجاح هذه العمليات إذا توفرت الظروف المناسبة لها. وقال أستاذ العلوم السياسية نجم العذاري، إنه “لا بد من أن ندعم أي إجراءات حكومية تجاه محاولات ضبط السلاح، ومنع حيازة غير المرخّص منه. نعرف صعوبة تطبيق هذا الإجراء سياسياً، إلا أن توفر عوامل معينة ستؤدي به إلى النجاح، خصوصاً إذا حصل تفاهم بين الكتل السياسية على دعم خطوات الحكومة وإطلاق يدها ومساعدتها. ومع الإرادة الحكومية والجدية والشجاعة فإن هذا الملف سينجز”.
وأضاف أنه “من الممكن أن تبدأ الحكومة كمرحلة أولى بسلاح المواطنين والعشائر والأفراد، ومن ثم تنتقل إلى الجماعات، وتعمل على تكييف ذلك قانونياً وسياسياً”.
وأشار إلى أن “الحكومة الحالية التي يقودها الإطار التنسيقي، تعمل على مناغمة الولايات المتحدة، وتريد أن تظهر بمظهر الدولة التي تراعي القانون وتطبقه، لذلك هي ستعمل على تحقيق خطوات بهذا الملف”.
وأكد أن “العشائر تحاول أن تحسن صورتها بعد النزاعات التي حدثت في السنوات الأخيرة، والتي رسمت صورة سيئة عنها، فهي الآن من الممكن أن تتجاوب مع الحكومة بهذا المجال. أما المواطنون فهم الحلقة الأضعف، والتي بمقدور الحكومة أن تتعامل بسهولة معهم في هذا الملف، ويمكن لها أن تتبع سياسة الترغيب والترهيب لتحصر السلاح وتمنع تداوله”.
“الحشد الشعبي”: سلاحنا هو سلاح الدولة
علي الدراجي، وهو مسؤول بارز في “الحشد الشعبي” في محافظة صلاح الدين، قال إن “العراق لا توجد فيه مليشيات، والحشد الشعبي قوة أمنية رسمية”، وذلك رداً على سؤال عما إذا كانت هناك فصائل مسلحة ستكون مستهدفة من قبل الحكومة بسحب سلاحها.
وأضاف أن “السلاح التابع للفصائل في المعسكرات ولا يمكن اعتباره منفلتاً. والسلاح المقصود هو المملوك عند المواطنين بشكل غير مرخص”، على حد وصفه.
لكن الخبير والباحث العراقي أحمد النعيمي اعتبر أن “أي حديث عن سحب سلاح من الشارع يستثني المليشيات سيكون عبثياً وإضاعة جهد ومال”.
وأضاف أن محاولة اعتبار السلاح المنفلت موجوداً لدى العشائر أو المواطن فقط، هدفه شرعنة سلاح الجماعات المسلحة المسؤولة عن أغلب التفلت الأمني، سواء عمليات الاغتيال والخطف أو النزاعات المسلحة، لأن أفراد العشائر أنفسهم لا يجرؤون على استعمال السلاح في وضح النهار لو لم يكونوا ينتمون لمليشيا مسلحة مساندة لهم. ولم تتمكن الحكومات السبع التي تعاقبت على إدارة العراق بعد العام 2003 من تطبيق مشروع “حصر السلاح بيد الدولة”، على الرغم من تضمين هذا الملف في برامجها، مع استمرار المشكلة التي باتت تنهك أمن المدن الجنوبية والعاصمة بغداد.