#د_توفيق_حميد
10 فبراير 2023
في الساعات الأولى من صباح يوم 6 فبراير، ضرب زلزال كبير مناطق عدة في تركيا وسوريا، وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وصُنف على أنه زلزال مدمر. وكان مركزه على مقربة من مدينة غازي عنتاب التركية، التي يزيد تعداد سكانها على مليوني شخص.
وأسفرت الكارثة، التي خلفت دمارا واسعا في تركيا وسوريا، عن مقتل ما يزيد على 20 ألف شخص، حتى الآن، وسط مخاوف كبيرة من احتمال ارتفاع الحصيلة النهائية للقتلى. وتحذر منظمات دولية عدة من أن عدد المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا قد يصل إلى عدة ملايين.
وأثار هذا الزلزال العديد من التفاعلات في الإعلام وفي شبكات التواصل الإجتماعي. والآن دعوني أتطرق لبعض الردود لأنها تمثل طرق تفكير تحتاج إلى التأمل وأحياناً إلى العلاج.
فلو تأملنا في الفكر الديني الصحيح لوجدنا أن تجلي الإيمان الحقيقي يكون في مثل هذه اللحظات والتي تجعل الرحمة والإنسانية فوق جميع الطقوس الدينية.
وقد ذكرتني أحدى صور الزلزال التي كانت تظهر طفلاً صغيراً تم إنقاذه من تحت الأنقاض والتراب يكسو وجهه البريء بآية في القرآن وصفت هذا الموقف المهيب الذي يحرك المشاعر الإنسانية لمن لديهم هذه المشاعر.
وهذه الآية تقول ” فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (أي العقبة التي هي بين الإنسان وبين دخول الجنة)… وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ… فَكُّ رَقَبَةٍ… أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ… ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ… أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (سورة البلد 11 ـ 18)”. ” ونلاحظ الوصف الاقرآني للمسكين بأنه “ذا متربة” أي أن التراب يكسوه ويكسو وجهه كما رأيت (بضم التاء) ورأي الكثيرون في العديد من الصور.
وأعجب ما في الأمر أن المتشددين دينياً وكأنهم لم يعرفوا ولم يقرأوا هذه الآية من قبل بدأوا ينشرون أفكارهم المريضة بأن هذا الزلزال هو عقوبة إلهية بسبب كثرة المعاصي. وهم بفكرهم هذا يرون أن “المعاصي” هي سماح تركيا بدرجة معقولة من الحرية للمرأة ومن التعددية التي تقبل الآخر. وأكبر المعاصي “التركية” في نظرهم غالباً ما تكون السماح للنساء بعدم لبس الحجاب وعدم عقاب المثليين جنسياً!
ويا له من منطق شاذ فلو كان الأمر ببساطة هكذا فلماذا لم نرى هذا السوط الإلهي أو بتعبير آخر “الزلزال” يحدث في السويد أو الدنمارك أو النرويج مثلاً بالرغم من إعطاء هذه الدول كافة الحريات للنساء والمثليين في مجتمعاتهم!
ومن عجائب الأمور أن نفس طريقة التفكير قد تصل لنتيجة أخرى تماماً وهي أن الزلزال حدث في هذا المكان لأن تركيا احتوت منظمة الإخوان المسلمين على أرضها لفترة من الزمان فكان الزلزال عقوبة إلهية لتركيا جزاءً لما فعلت!
وقد يقول قائل أيضاً بنفس المنطق أن الزلزال حدث في سوريا بسبب وجود “داعش” فيها وبسبب جرائمهم في حق الإنسانية.
والحقيقة أن التفكير المتشدد والمتطرف الذي يرى أن الزلزال هو عقاب إلهى يعيق الفكر العلمي المطلوب في مثل هذه الحالات. فحدوث زلازل في اليابان مثلاً دفعهم إلى ابتكار تقنيات في بناء المنازل لتقلل من الأذي والدمار إن حدث زلزال. ولو أن اليابانيين فكروا بنفس طريقة تفكير المتعصبيين لظلوا للأبد يحللون ما هي معاصيهم التي تسببت في الزلزال ولما ابتكروا مثل هذه التقنيات في مجال البناء وتشييد المباني.
وأترك الكلمات الأخيرة في هذا المقال للخيال العلمي بأن يصل البشر من خلال بحثهم العلمي لطريقة علمية تمنع حدوث مثل هذه الزلازل المدمرة أو تقلل من شدتها.
وللحديث بقية!