#مؤسسة_رؤى_للدراسات
قد يتفاجأ البعض عندما يعرف أن الملكة فيكتوريا -إحدى أطول من حكموا المملكة البريطانية “العظمى” قبل قرون طويلة- قد حظيت فترة من الفترات بحفيدة من أصول أفريقية.
والأميرة “السمراء” التي يعتقد المؤرخون أن اسمها الأصلي عند ولادتها هو “أينا” كانت معروفة في المجتمع الراقي بإنجلترا القرن الـ 19 باسم “سارة فوربس بونيتا” وهي فتاة صغيرة تم استعبادها مما يُعرف الآن بدولة بنين غرب أفريقيا، وذلك قبل أن تُصبح أميرة إنجليزية وحفيدة شرفية للملكة فيكتوريا.
من هي سارة بونيتا؟
وُلدت سارة فوربس بونيتا في عائلة نبيلة بممالك غرب أفريقيا عام 1843، حيث قُتل والداها في “حرب العبيد” الشرسة عندما كانت في الخامسة من عمرها، وتم أسرها واستعبادها من قبل الملك جيزو حاكم مملكة داهومي الفترة من عام 1818 و1859، وهي دولة بنين الحالية بأفريقيا.
وعام 1850، وصل الكابتن البحري البريطاني فريدريك فوربس إلى داهومي في مهمة فاشلة لإقناع جيزو بالتخلي عن تجارة الرقيق. وفي هذه الزيارة طلب فوربس الفتاة الصغيرة هدية دبلوماسية للتعبير عن حسن نية الملك، وقد أحضرها إلى إنجلترا على سفينته “بونيتا”.
وأقنع فوربس الملك جيزو بـ “إهداء” سارة -التي بلغت آنذاك 8 سنوات تقريبا- للملكة فيكتوريا، باعتبار أن ذلك سيكون “هدية قيّمة من ملك السود إلى ملكة البيض” وبالفعل أُعطيت الفتاة الشابة لاحقاً اسم الكابتن فوربس، وكذلك اسم سفينة “بونيتا” بديلا لاسم عائلتها الأصلي، ومُنحت “هدية” للملكة.
رعاية خاصة بالأميرة الأفريقية
عادت سارة إلى إنجلترا مع فوربس الذي قدمها إلى فيكتوريا “هدية دبلوماسية” من الملك جيزو، وقد أعطتها الملكة بدورها إلى جمعية التبشيرية الكنسية في إنجلترا لكي تشرف على تربيتها وتعليمها.
ولأن هذه الفتاة الصغيرة عانت من حالة صحية متردية، فقد تمت إعادتها عام 1851 إلى أفريقيا للنقاهة، وهناك التحقت بمؤسسة الإناث في فريتاون في سيراليون برعاية مادية مباشرة من الملكة.
ولكن ببلوغها سن 12 عاماً، أمرت الملكة فيكتوريا بأن تعود سارة إلى إنجلترا، حيث وضعتها تحت رعاية أسرة إحدى الرعايا، وهما السيد والسيدة شون في تشاتام.
وقابلت فيكتوريا سارة عدة مرات، وتأثرت بصدقها ورقتها، فقررت أن تصبح عرّابتها وأمها الروحية، مما جعل سارة بمثابة حفيدة شرفية للملكة، لتكون أول فرد من البشرة السمراء ينتمي بشكل غير مباشر للعائلة الملكية في بريطانيا.
مستقبل واعد وزواج فريد من نوعه
وقد أعجبت الملكة بأسلوب هذه الفتاة وتفوقها في الدراسات الأكاديمية والأدب والفن والموسيقى لدرجة أنها أعطتها بدلاً سخياً بشكل شهري لرفاهيتها ودراستها واحتياجاتها الشخصية، كما أصبحت سارة زائرًا منتظمًا لقلعة وندسور.
وعند بلوغها سن 18 عاماً، تلقت سارة عرضاً للزواج من جيمس بينسون ديفيس، وهو رجل أعمال أفريقي يبلغ من العمر 31 عاماً، ويمتلك ثروة كبيرة ويعيش في بريطانيا.
وبرعاية مباشرة من الملكة فيكتوريا، أجريت مراسم زواج سارة في كنيسة القديس نيكولاس بولاية برايتون في أغسطس/آب 1862. وكان حفل الزفاف حدثاً اجتماعياً فريداً هذا الوقت، وبميزانية ضخمة.
وكان الحضور مكوناً من عدد من النبلاء والوجهاء والأمراء البيض والسود على حدٍ سواء، وهو المشهد الذي لم يكن معتاداً أبداً ذلك الوقت.
وقد تجمعت الحشود لمشاهدة هذا الحدث، وذكرت الصحافة وقتها أن حفل الزفاف شمل 10 عربات ملكية ضمت “سيدات بيض مع سادة أفارقة، وسيدات أفريقيات مع سادة بيض” و16 من وصيفات الشرف.
حياتها بعد الزواج ومعاناتها الصحية
بعد الزواج استقرت سارة وزوجها في لاغوس، حيث أصبح ديفيس عضواً في المجلس التشريعي الفترة من 1872 وحتى 1874، ليكون أحد أوائل السود الذين مارسوا السياسة في بريطانيا آنذاك.
وبعد وقت قصير من زواجها، أنجبت سارة ابنة وحصلت على إذن من الملكة فيكتوريا بتسمية الطفلة باسمها تيمناً بها، وقد أصبحت الملكة عرّابة لطفلة سارة أيضاً.
وزارت سارة الملكةَ عام 1867 مع ابنتها فيكتوريا، ثم عادت إلى لاغوس وأنجبت طفلين آخرين. ولاحقاً عند وفاة سارة كتبت الملكة في مذكراتها “قابلت اليوم فيكتوريا ديفيس المسكينة، وذلك بعد أن توفيت والدتها العزيزة هذا الصباح”.
وطوال حياتها، عانت سارة من سعال طويل الأمد بسبب تغير المناخ بين أفريقيا وبريطانيا. وعام 1880، بدأت تعاني من مرض السل، وقد ذهبت إلى رحلة نقاهة في ماديرا قبالة ساحل غرب أفريقيا.
ولكنها توفيت ذلك العام هناك، ولم تتجاوز الأربعين، ودُفنت في فونشال، في ماديرا.
وقد منحت الملكة ابنة سارة راتباً سنوياً مثلها تماماً، وحرصت على رعايتها وتعليمها، وقد استمرت “الحفيدة السمراء” بدورها في زيارة الأسرة الملكية طوال حياتها.