#د_نجيبة_أحمد
بعدما بدأ النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 من الناحية النظرية توجهاته نحو بناء دولة مدنية تعتمد على الدستور والقانون كمرجع لها، وأختار أن يكون دولة أتحادية، نظام حكم فيها جمهوري نيابي وأن هذا النظام يمارس نشاطه وفعالياته عبر مؤسسات دستورية تتوافق مع هذا الأختبار وتنسجم معه. قاد الأنتقال الديمقراطي السريع إلى بناء دستوري قانوني، دون أن يأخذ الوقت الكافي في الدراسة والتعمق بسبب سيطرة إرادة الأمريكية وقوانينها أدت إلى أخفاق إتفاقيات وطنية تتناسب مع المشروع الديمقراطين والعراق كما هو معلوم يتكون من فسيفساء تعددية لديانات، والمعتقدات وقوميات وثقافات فرعية هو نموذج حي للمجتمع المتعدد الثقافات فاضطر بحكم تكوينه هذا إلى التخلي عن أحد أهم المبادىء في النظام البرلماني وهو الأغلبية السياسية والأقلية المعارضة وتم عملياً التحول إلى النظام التعددي التوافقي القائم على أساس المكونات الاجتماعية القومية والدينية والمذهبية والجغرافية، مما كان له الأثر الواضح في تعميق حالة عدم الأستقرار سياسي المؤدي إلى عدم الأستقرار المجتمعي.
فعلى الرغم من أن مواد الدستور العراقي الدائم لعام 2005 أكدت على هذا التنوع، فبنى النظام السياسي على أساس مبادىء التعددية،حيث نصت المادة (14) “أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”. يلاحظ على الدستور العراقي على الرغم من أعتماد النصوص على العمومية في الإشارة إلى أبناء الوطن مثل استهلال ديباجة الدستور بعبارة “نحن أبناء وادي الرافدين ” وعبارة” نحن شعب العراق الناهض”وفي نفس الوقت اشترط الدستور مراعاة التمثيل والتوازن بين مكونات الشعب العراقي في تأسيس الجيش العراقي، التي تراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء ….لا تكون أداة في قمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية، وهذا يعد إيجابياً للتأكيد بأن العراق لكل المواطنين العراقيين،إلا أن مواده نصت في أكثر من مرة على مفردة “مكونات “حيث نصت المادة (9) أولاً(أن القوات والأجهزة الأمنية تتكون من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز واقصاء) ووفقاً للمادة (9) سيكون لكل منطقة جيشها فالمادة أشارت إلى ذلك صراحة، وذكرت في المرة الثانية هذه المفردة في المادة (12) أولاً”ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي”، والمرة الثالثة مكونة الحقوق السياسية للقوميات أي تكرس المحاصصة في الحقوق السياسية بدلاً من مواطنية الحقوق السياسية للأفراد ضمن التنوعات بمختلف أشكالها وتضمنتها المادة (125) “يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية والسياسية أو الثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة مثل التركمان الكلدان …وسائر المكونات الأخرى وينظم ذلك بقانون “. وفي المادة (142) كرست مرة أخرى مفردة المكونة أي (المحاصصة )أي يقول أولاً”يشكل مجلس النواب بداية عمله لجنة من أعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي،مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب…وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها”.أي بمعنى أن الدستور العراقي أتجه إلى بناء دولة المكون على حساب دولة المواطنة وذلك من خلال ماكتب في قانون إدارة الدولة وقرارات بول بريمر باعتماده على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية في بناء النظام السياسي الجديد.وكما أعتمدت أيضاً على الديمقراطية التوافقية وهذه الصيغة غير مكتوبة لكن تم أتفاق عليها بين الأطراف السياسية في العراق وتم تطبيقه على مختلف الحكومات والانتخابات التي جرت في العراق وحتى وقتنا الحاضر. على الرغم أن هذه الصيغة التوافقية قد رافقتها الكثير من الإشكاليات وخصوصاً في بناء الهوية الوطنية .
لذا عندما ننظر إلى الواقع الحالي للعراق في تعامله للتعددية ، لا يرى في الأمر أكثر من مسألة الإقرار بوجود التعددية علانية وعلى لسان المسؤولين الحكوميين في أكثر من مناسبة ولكن العمل الفعلي لم يصل إلى ما تشير إليه مبادىء اليونسكو بخصوص ضمان التعددية . وبسبب هذا التوظيف السلبي للتنوع، لم يستطيع النظام السياسي تحقيق الأستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق. من هنا يمكننا طرح سؤال يتعلق عن نوع المنافع والمهام ذات العلاقة بالعدالة، فيقول إن طبيعة السياسة في العراق قد أصبحت خاضعة لمبدأ المحاصصة وهي أمتداد طبيعي لما سبق تبنيه بصدد الكيانات الجمعية، فطالما أن الفرد مستبعد لصالح الجماعة، لذا كان لابد من الإقرار بشكل من أشكال الترضيات والضغط الذي سيتناول قضيتي المنافع وتوزيع المهام أو المسؤوليات. تأتي في المقدمة منها نسب التعيينات وأولوية الحصول على المراكز الوظيفية العامة والإمتيازات الأخرى،سواء في الجيش والإجهزة الأمنية والإدارات المختلفة وخصوصاً الوظائف العليا وفرص التعليم والسلك الدبلوماسي. ولو روعي في مثل هذا التخصيص واقع النسب الحقيقية لأفراد هذه الكيانات أو العدالة فيه، لكان بالإمكان قبوله –ولو على مضض –إلا أن مايجري هو فرض أمر واقع قائم على اعتبارات أفتراضية،جاءت في أغلبها بناء على تقديرات، في ظل عدم وجود أي إحصاء سكاني. فكل الإحصاءات الرسمية لا تشير صراحة إلى قومية أو طائفة من تم إحصاؤهم. ويقود مثل هذا الاتجاه إلى خلق واقع سياسي آخر جديد على الأرض، حيث يظهر لدينا تشكيل مبهم لمفاهيم الأغلبية والأكثرية. حيث تم سحب هذه المفاهيم من مجالها السياسي الخاص كي يتم تطبيقها على المجال الطائفي والعرقي. وسوف يعني الأخذ به تأييد غلبة الأغلبية العرقية أو الطائفية في الوقت الذي ستبقى فيه الأقلية تعاني من التهميش الدائم، بقدر ما لا يمكن تغيير وضع الأغلبية والأقلية التي سيستند كل منهما في وجوده إلى عدد أو نسبة السكان من هذه العرقية أو تلك أو هذه الطائفة أو تلك. ومن جانب الاخر فيما يتعلق بأنماط التوزيع الرئيسة التي تلجأ إليها النظم السياسية، فسيتبين لنا سعي الدستور العراقي إلى مواجهة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، بمعايير تجمع بين فلسفات مختلفة:ليبرالية وجماعاتية ويسارية (اشتراكية) على الرغم من أن لكل منها مطالبها الخاصة وشروطها، بل ربما تنفي إحداهما الأخرى. من كل ذلك يمكننا القول أن طبيعة النظام السياسي القائم في العراق بعد عام 2003 ،أدت دوراً سلبياً في تفكيك التعايش والإندماج بين أفراد المجتمع، عبر قيامه على أسس المحاصصة والطائفية والقومية
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.