هادي جلو مرعي
القصة تبدأ حين طالب إنسان باحترام إنسانيته، وتأمين حقه في الحياة والكرامة، وحين تعنت الآخر، وتمسك برفضه لذلك الحق، وعمل على تهميش الآخر لم يعد ممكنا حينها السكوت، وصار الصدام من أسباب ممارسة الحياة، برغم أنه يتطلب دفع الأثمان الباهضة، وليس لأنه ترف فكري، أو ترف حياة، ولكنه التأقلم مع تحدي المعاناة، والتغلب على المصاعب، والتعايش معها كيف كانت، ومهما تسببت به من جراح وعذابات، فالحلم البعيد وإن لم يتحقق، لكنه يشبه حياة كاملة، ويستحق التضحية، ولو كانت تلك التضحية هي الموت.
في هذا الإقليم الكبير قوميات عدة تتشابه وتختلف، ولكن المهم أنها تشبه بعضها في إنسانيتها وحاجاتها، ولكن قد تبغي أمة على أخرى، وتشعر بكبرياء يدفع ثمنه من لايملك قوة الطغيان، ولقد واجه العرب والكرد في هذا الإقليم الكبير موجات من الغزو الخارجي والهيمنة التي تفرضها القوى الكبرى والحليفة لها، وتلك الطامحة في الإمتداد والسيطرة والرغبة في الإستحواذ على كل شيء، ثم تمنع من ممارسة العادات والثقافة والتقاليد واللغة وتفرض على الناس أن يستسلموا لقوانين تفرضها، وأن لايخرجوا عنها مطلقا وإلا كان نصيبهم التهميش والتدمير والتهجير والحروب المستمرة كالتي شهدناها على مدى أربعمائة عام المنصرمة، والتي تركت آثارها على الشعوب، وركزت في الذاكرة عمق المأساة، وهول الفجيعة، وعظم التحدي، والحاجة الى الصبر، ثم الصبر، ثم الصبر.
عانى الكورد والعرب من تحديات الهيمنة والتهميش العميق على مدى قرون، وكانت التضحيات جمة وجسيمة، ولطالما جرت محاولات لدفع العرب والكورد إلى صدام مسلح تارة، وإعلامي تارة أخرى، ومع ذلك كانت الأمور تتضح وتنجلي عن فهم عميق لطبيعة تلك المحاولات، والمراد منها حتى كان ممكنا التفاهم والتلاقي والإرتقاء فوق المشاكل خاصة مع معرفة نوايا من يريد من العرب أن يكونوا رأس الحربة في حرب كريهة ضد اخوتهم الكورد الذين عاشوا ذات المحنة والمعاناة، وكانوا قريبين الى بعض، ويفهمون تماما طبيعة مايحاك لهم بوصفهم خاضعين لجبروت الدول الكبرى والاستعمارية ورافضين له, وكان جليا نوع التواصل حتى مع ظروف المواجهة التي تفرضها أسباب خارجة عن الإرادة، ولكنها تنتهي إلى التفاهم، وكانت هناك علاقات تواصل وتفاهم تؤطر بتواصل وتسامح ومحاولات لإيجاد ظروف علاقة متوازنة تتيح وضع خارطة طريق يمكن أن تؤسس لوضع مختلف يتلائم مع متطلبات المستقبل الذي تنتظره الأجيال وتتمناه، ففي ظل الجبل يمكن ان يرتاح الجميع، ويتقوا حرارة الصراع الذي يريد المستعمر البعيد والقريب استمراره على أمل أن يستسلم المطالبون بحقوقهم، ولن يستسلموا أبدا.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.