#الدكتور_نايف_كوردستاني
#مؤسسة_رؤى_للدراسات_والأبحاث
#مستقبل_برؤية_مستدامة
يجب أن نميط اللثام عن بعض الحقائق المُغيبة على عُجالة للمتلقي لكي يكون على بينة من أمره ،وتكون الصورة واضحة ناصعة لديه، ويتخلّص من الأوهام المقدَّسة المتراكمة التي رافقته منذ نعومة أظفاره المبنية على الوعي الجمعي المغلوط نتيجة لسياسات الحكومات الشوفينية ومرتزقتهم من الأقلام المأجورة لتزييف الحقائق، وتشويه الوقائع بقصد أو من دونه، فبعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال الولايات الثلاثة:(البصرة ،وبغداد ،والموصل)من قبل البريطانيين، فبدأ وزير المستعمرات البريطاني(ونستون تشرشل) بعقد مؤتمر بالقاهرة في سنة(1920م) برئاسته مؤسسًا الكيان العراقي الجديد والذي تكوّن من ولايتين ابتداءً هما:(بغداد ،والبصرة)،ولم تكن ولاية الموصل جزءًا من كيان العراقي الجديد حتى انضمت رسميًا في سنة (1925م ) إلى العراق ،وهذا الكيان لا يربطهم روابط جغرافية ،أو تأريخية ،أو قومية ،أو لغوية متينة مع بعضهم حتى أن العادات ،والتقاليد مختلفة عن بعض، فحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة ابتداءً من الملكية حتى الجمهوريتين الأولى ،والثانية صهر القومية الكوردية ،وبقية القوميات في بوتقة العُروبة ،ومصادرة تأريخ الكورد ،ولغته ،وثقافته ، وتراثه لصالحهم !
وفي حينه لم يكن الفكر القومي الكوردي رائجًا بقوة على الساحة السياسية سوى عند بعض الحركات من الجمعيات، والأحزاب الكوردية كــ ( جمعية تعالي كوردستان، وجمعية كوردستان ،وجمعية الدفاع الوطني، ونادي الارتقاء)،و(حزب هيوا، و شورش، ورزگاري كورد – خلاص الكورد – ) حتى مجيء ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، الذي رفع من منسوب وعي الحسِّ القومي لدى الكورد ،والذي أصبح حاجة ماسة من أجل تلبية طموحات الكورد في الحرية ،والاستقلال ،ومحاربة الاستعمار ،ونشر الأفكار التقدمية بين صفوف جماهيره، وشعب كوردستان ،وكانت نواة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالأصل من أعضاء حزب رزگاري ،وشورش المنحلين، وحزب هيوا،وبعض الشخصيات المستقلة الأخرى.
كان نظام حزب البعث من الأنظمة المستبدة (الدكتاتورية )الذي ضرب أُسس التعايش عرض الحائط، لاسيما بعد أن تسنّم (صدام حسين) لمقاليد الحكم والسلطة في العراق بعد الإطاحة بالرئيس العراقي ،ورفيق دربه (أحمد حسن البكر )؛فبدأت عمليات التعريب على ثلاث مراحل في ثلاث محافظات:(بغداد ،وكركوك ،ونينوى)، والبدء بعمليات التهجير القسري للكورد من مدنهم وقراهم، وتوزيعهم على المناطق العربية، وتوطين العرب في المناطق الكوردستانية، وتفعيل نظام تصحيح القومية، وعمليات الإبادة الجماعية من خلال دفنهم لـ (8000 ) بارزاني مدني، وهم أحياء في المقابر الجماعية بالمنطقة الصحراوية من جنوب العراق، وعمليات الأنفال السيئة الصيت بمراحلها الثمانية والتي راح ضحيتها (182000) كوردي مدني،وقصف مدينة حلپـچة بالأسلحة الكيميائية، وراح ضحية القصف ( 5500 ) كوردي مدني، وآلاف المتضررين من تلك العملية الإجرامية علاوة على ذلك تصفية (12000)كوردي فيلي،وتهجيرهم من أماكنهم، وسحب الجنسية العراقية منهم ،والاستحواذ على ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، ومسح (4500 ) قرية كوردية من الوجود !
هذه الجرائم التي وقعت بحق الشعب الكوردي من قبل أزلام النظام العراقي في حقبة البعث الصدامي، لكن الشعب الكوردستاني بقيادة الرئيس (مسعود بارزاني) لم يتعامل بالعقلية الانتقامية معهم، فعندما حدثت الانتفاضة الكوردية في (5آذار 1991م) ضد نظام البعث كان بالإمكان تصفية الجيش العراقي جميعهم عن بكرة أبيهم بكل سهولة في إقليم كوردستان إلا أن الرئيس (مسعود بارزاني) أصدر أمرًا بعدم الاعتداء عليهم بعد أن يتركوا أسلحتهم، ومقراتهم ، وثكاناتهم العسكرية ، وتسليم أنفسهم لقوات الپيشمرگـة البطلة واُستقبلوا في البيوت ،والمساجد ،وفتحت الممرات الآمنة لهم لكي يعودوا إلى بيوتهم سالمين من دون الاعتداء عليهم لكونهم من ضحايا النظام.
وبعد طرد البعثيين من كوردستان كانت هناك مشكلة أخرى موجودة في كوردستان ألا وهي مسألة المنتمين (للأفواج الخفيفة) الذين عملوا مع نظام البعث ، وهم أقسام منهم من تعاون مع صدام ومؤيدًا له قلبًا وقالبًا ،وضربوا الحركة التحررية الكوردية ، ومنهم من تعاون مع نظام البعث لكي يحصلوا على مغانم وأموال من الحكومة العراقية ،وحماية رؤساء عشائرهم ، ومنهم من تعاون مع النظام العراقي من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية كالأراضي الزراعية وغيرها لكنهم تعاونوا مع ثوار الحركة التحررية الكوردية ودعمهم بالأسلحة والأغذية .
ومن أجل مصلحة شعب كوردستان فقد طوى الرئيس (مسعود بارزاني) تلك الصفحة السيئة من تاريخ الكورد المعاصر لكي لا تتحول كوردستان إلى بحر من الدماء.
واستلهم الرئيس (مسعود بارزاني) شعارًا من الآية القرآنية :{ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } لكي لا تكون هناك عمليات انتقامية بين أبناء الشعب الكوردستاني، وعلى إثر هذا الموقف الوطني من البارزاني عاد الكثير منهم إلى الصف الوطني؛ لأن الرئيس (مسعود بارزاني) يريد بناء كوردستان على يد أبناء شعبه ،ويبعدهم عن التناحرات ،والعصبيات العشائرية ،والمناطقية .
وبعد خلوّ كوردستان من البعثيين وحدوث فراغ في المناصب الحكومية والإدارية أُجريت الانتخابات النيابية ،وتشكلت أول حكومة كوردستانية بعد الانتفاضة الكوردستانية ( سرهلدان ) في عام ( 1992م ) من قبل مكونات كوردستان بعيدًا عن سياسة التهميش ،والإقصاء لمكونات كوردستان .
ويذكر البارزاني إحدى المواقف الصعبة في حياته السياسية مع نظام البعث على الرغم من سجل البعث الإجرامي تجاه شعب كوردستان قائلًا :” عندما ذهبنـا مـع المـرحـوم مـام جـلال إلى بغداد لإجـراء المفاوضات، كنـا نتذكر كل الجرائم الوحشية التي ارتكبتهـا دولـة الـعـراق ضـد شـعب كوردستان، وسـرنـا وسـط نـهـر مـن الدماء، وصافحنـا الأيادي الملطخة بدماء شعبنا لكـن هدفنا كان فتح صفحـة جـديـدة والدخـول في مرحلـة جديدة لتحقيـق السـلام.
ثمانيـة وثلاثـون فردًا مـن عائلتي، وثمانية آلاف شخص مـن عشيرتي، و182 ألـف مـن قوميتـي قـد تـم أنفلتهـم بـطـرق وحشية، مع ذلك قررت أن أذهب إلى بغداد لكي لا يقولوا: بسبب الأحقاد الشخصية امتنع البارزاني عن التفاوض، وأهـدر فرصـة معالجـة مشكلات الشعب الكوردي لقد كان ذلـك القـرار، هـو الأصعـب في حيـاتي”.
وتجدر الإشارة إلى أن العقلية الانتقامية كانت حاضرة بمؤتمر لندن في سنة(2002م) من قبل المعارضة العراقية، وفي حينها اعترض الرئيس (مسعود بارزاني) على بعض قادة المعارضة العراقية بعدم التفكير بالعمليات الانتقامية من البعثيين سوى المتورطين والمتلطخين أيديهم بدماء الشعب العراقي وتقديمهم للقضاء العراقي ،ولهذا السبب انعكست تلك العقلية الانتقامية في المحافظات العراقية بعد سقوط نظام البعث في (9 نيسان 2003م) التي تسببت بشرخ كبير في المجتمع العراقي ،وتهجير الآلاف، ومقتل الملايين وتغييبهم بسبب الفكر الانتقامي المتعصب والمتعطش للدماء.
وبفضل حنكة القيادة الكوردستانية، وعلى رأسها الرئيس (مسعود البارزاني) لم نتأثر بتلك العقليات الانتقامية التي هددت السلم المجتمعي والتعايش بين أبناء كوردستان .
وبعد انتخاب الرئيس(مسعود بارزاني) في عام (2005 م ) من قبل مجلس النواب الكوردستاني أول رئيس لإقليم كوردستان ساهم بترسيخ ثقافة التعايش السلمي بين أبناء مكونات كوردستان ، ولم يسمح باستعمال مصطلح الأقليات بل دعا لاستعمال مصطلح (مكونات كوردستان) ، ويعامل الجميع بالمسافة نفسه بعيدًا عن عرقه ودينه ومذهبه .
وبسبب العقلية الانفتاحية التي يمتلكها الرئيس البارزاني في آلية التعامل مع ملف التعايش السلمي ففي كوردستان هناك (8) ديانات معترف بها وهي: (الإسلام، والإيزيدية ، والمسيحية ، واليهودية ، والزرادشتية ، والكاكائية ، والبهائية، والصابئة المندائية)، والقوميات في إقليم كوردستان هي: (الكوردية ، والعربية، والتركمانية، والكلدانية ، والسريانية ، والآشورية ) .
فكان للرئيس البارزاني دور كبير في الاعتراف بهذه الديانات ،ودعمها في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية،ولكل ديانة ممثلها في الوزارة عن طريق المديريات الخاصة بشؤونها.
ولم يستطع يفكِّر أحد من أبناء كوردستان التجاوز على أصحاب تلك الديانات ، والاستهزاء ،أوالازدراء بهم ،وبمعتقداتهم، وهذا عائد لحنكة الرئيس (مسعود بارزاني) في تطبيق هذا الأنموذج الأمثل على أرض كوردستان من التعايش الذي يفيد بوجود العلاقة المتبادلة بين الطرفين ،وهذا ما تجسده العلاقات بين الديانات والقوميات والمذاهب في إقليم كوردستان، وهذه الأفكار والرؤى للرئيس البارزاني منبثقة من قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}،وقوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } .
قال البارزاني:” للشعب الكوردي تأريخ وجغرافية ولغة وثقافة وعادات وتقاليد خاصة يعيش منذ آلاف السنين على أرضه وطوال التاريخ التزم بمبادئ التسامح والتعايش وثقافة التعايش مع القوميات والأديان الأخرى المتجذرة في عمق تأريخه هي محل الفخر والاعتزاز”.
أما في العراق فالمعترف به من الديانات ما عدا الإسلام هي:(المسيحية، والإيزيدية ، والصابئة المندائية) والبقية غير معترف بها ومهمشة ،وقد هُجِّر كثير من المسيحيين والإيزيدية الموجودين في بغداد، ونينوى واستولوا على ممتلكاتهم وأراضيهم !
ولم يسمح البارزاني بالاعتداء أوالتجاوز على الديانات والقوميات فهم مواطنون من الدرجة الأولى حالهم كحال الكورد .
وقد طبَّق الرئيس (مسعود بارزاني) أبجديات التعايش السلمي على أرض الواقع فعليًا ، وليس بالادعاءات والكلام الإنشائي ،فحسب بل تجد في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني عدا الكورد تنظيمات من العرب، والتركمان ،والكلدان، والسريان ، والآشوريين ، والمسيحيين ، والإيزيديين ، والكاكائية ، والصابئة المندائية ، والبهائية في ضمن الحزب وفي مناصب حكومية على مستوى الوزراء ووكلاء الوزراء والمديرين العامين ورؤساء مجالس المحافظة وأعضاء في المجالس المحلية في إقليم كوردستان ،ومحافظة نينوى ،ورؤساء للوحدات الإدارية ، وأعضاء في مجلسي النواب العراقي ،وپـرلمان كوردستان كل هذه الاستحقاقات كانت بفضل دعم البارزاني لهذه المكونات ويمكننا القول بأن البارزاني هو الرئيس الوحيد الذي أعطى حقوق المكونات التي كانت مهمّشة في العراق وجعل للمكونات قيمة كبيرة واهتمامًا أكبر بهم في إقليم كوردستان، وليس مثل بعض الأطراف السياسية التي صدّعت رؤوسنا بالتعايش لكنهم في الخفاء يعملون بالضد من ثقافة التعايش السلمي بل يعملون على ضرب النسيج الاجتماعي وتدميره وتفسيخه وتفتيته ؛لأن اتباع سياسة الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر لا يمكن بناء بلد مدني متقدم .
وبعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل في سنة ( 2014م)، وعلى بعض المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان لاسيما بعد احتلال قضاء شنگـال ، وناحية زمار من قبل تنظيم داعش الذين تلقّوا الدعم المباشر من قبل كثير من العشائر العربية الموجودة في تلك المناطق الذين ساندوا ، وانضموا مع داعش الإرهابي، ومارسوا أبشع أنواع الإرهاب بحق الكورد الإيزيديين من عمليات الإبادة الجماعية ، وسبي النساء الإيزيديات ، وهدم دور الكورد من الإيزيدية والمسلمين في شنگـال ، وزمار ، إلا أن بعد عمليات التحرير للمنطقتين من قبل قوات الپـيشمرگة البطلة لم يسمح البارزاني بالعمليات الانتقامية ضد العشائر العربية المتواطئة مع ذلك التنظيم الإرهابي ؛ لأنهم التزموا بقوانين الحرب ، وليس العشائر العربية كلها مع داعش، فهم أيضًا أصبحوا من ضحايا ذلك التنظيم الإرهابي .
وذات مرة حاول تنظيم داعش الإرهابي خطف وسبي أكثر من (80) امرأة عربية من إحدى القبائل العربية ، وتدّخل الرئيس (مسعود بارزاني)مباشرة في هذه القضية، فقامت قوات البيشمركة البطلة بتحرير ناحية ربيعة وهي أول ناحية تتحرّر من سيطرة داعش الإرهابي قبل المناطق الكوردستانية الأخرى على الرغم من بعض التصريحات التحريضية من بعض أفراد تلك القبيلة ضد الرئيس(مسعود بارزاني) وحكومة إقليم كوردستان !
حتى صرّح أحد شيوخهم لو أن نساءنا العربيات من قبيلتنا أصبحن سبايا بيد تنظيم داعش لم نكن نرفع رؤوسنا في العراق والوطن العربي، ولهذا السبب تلك القبيلة تثمن موقف الرئيس(مسعود بارزاني) حول هذه المسألة فضلًا عن العلاقة التأريخية التي تربط بين البارزانيين وتلك قبيلة .
ومن المعروف عن الرئيس (مسعود بارزاني) أنه يمتلك شرف الخصومة مع الخصوم من السياسيين على العكس من خصومه وخصوم شعبه، وهذا ما تلمسناه من خلال تعامله مع الخصوم الذين تجاوزوا بحقه الشخصي وحزبه وإقليم كوردستان .
ونتيجة لثقافة التعايش المنتشرة في إقليم كوردستان ،والمناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان ،فأن المكونات الكوردستانية صوتت بـ (نعم) بنسبة92.73 % على استقلال كوردستان لثقتهم بالبارزاني وأنه لن يخذلهم.
ولم يلجأ الرئيس (مسعود بارزاني) إلى خيار الاستفتاء من أجل استقلال كوردستان إلا بعد أن تيقّن بأن ساسة بغداد قد تنصلوا عن الوعود والاتفاقيات المبرمة معهم والخروقات الدستورية المتعمدة، والهجوم على المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان ثم الهجوم على إقليم كوردستان أيضًا ،ولا يعترفون بالمواد الدستورية علمًا أن الدستور العراقي هو العقد الاجتماعي بين الحكومة، والشعب.
وكان أساس الاتفاق مع الأطراف السياسية في بغداد قائم على ثلاث نقاط أساسية وهي: (الشراكة ، والتوازن، والتوافق)، لاسيما أن أغلب القادة والسياسيين العراقيين المعارضين قبيل سقوط نظام البعث كانوا في إقليم كوردستان وتحت حماية قوات الپيشمرگة ،ورسمت ملامح الدولة العراقية على تلك الأُسس فما عدا مما بدا ؟!
وكان الرئيس(مسعود بارزاني) مؤمنًا بالنظام الديمقراطي في العراق الجديد،وبناء دولة المؤسسات، والذي يحفظ لجميع مكونات الشعب العراقي مكانته بعيدًا عن سياسة الإقصاء ،والتهميش ،وعدم قبول الآخر المتعمَّد من قبل الأنظمة السابقة .
وحرص البارزاني دائمًا على إنجاح العملية الديمقراطية ، وتكريس مفاهيمها مع الشركاء وأكَّد على العيش المشترك بالعراق الجديد في دولة يحترم فيها جميع القوميات، والديانات، والمكونات، والابتعاد عن التفرّد بالسلطة وتحريفها عن مسارها الديمقراطي ،وإعادة البلد إلى التسلّط ، والاستبداد ، والدكتاتورية، والتفرّد بالرأي، وأخبر البارزانيُّ الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) : “سيبقى العراق موحّدًا إذا بقي صاحب دستوره الحالي أما إذا تحوّل العراق إلى دولة دكتاتورية عندئذٍ لا يمكننا العيش مع الدكتاتورية .
إن المشهد السياسي العراقي مقلق جدًا بسبب عدم الالتزام بالدستور،وتنفيذ بنوده فلو طبّق الدستور لتجاوزنا الأزمة التي نمرُّ بها “.
ومن المواقف الإنسانية ،والنبيلة للرئيس (مسعود بارزاني) في تعزيز ثقافة التعايش ،وعدم إشاعة الكراهية كما كانت تُروَّج من قبل الإعلام الأصفر عندما فتح أبواب كوردستان للنازحين من العرب، والكورد ، والتركمان ، والديانات جميعها في نينوى ،وصلاح الدين ،والأنبار بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) لمناطقهم، وعوملوا معاملة مواطني كوردستان من خلال فتح الجامعات ،والمدارس، ورياض الأطفال، والمستشفيات لهم ولهذا السبب تغيّرت وجهات نظر كثير من النازحين حول إقليم كوردستان ،والرئيس البارزاني؛ لأن الإعلام المناوئ لكوردستان يبث الإشاعات الكاذبة حول عدم تقبّل الكورد للعرب ،علمًا أن بغداد أغلقت أبوابها بوجه النازحين!
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة بغداد قطعت الموازنة عن إقليم كوردستان من سنة
( 2014م)، وأكثر من مليون ونصف المليون نزحوا إلى إقليم كوردستان في ظل وضع اقتصادي صعب جدًا .
ولم تقدم حكومة بغداد المساعدات الإنسانية للنازحين لاسيما أن أغلبهم من المحافظات السنية !
ومن أروع المواقف الوطنية للبارزاني عندما حاول بعض النفر من الكورد الاعتداء على مجموعة من العرب وجه البارزاني نداءه لهؤلاء النفر من مثيري الفتن بأن:(الاعتداء على أيّ عربي هو اعتداء عليَّ شخصيًا)فهنا قطع دابر مثيري الفتن في إقليم كوردستان، وحمى العرب السنة ،وغيرهم من المكونات ؛ولهذا كثير من العرب يرون الرئيس (مسعود بارزاني) زعيمًا لهم أيضًا، وليس للكورد فقط .
وأصبح التعايش السلمي سمة بارزة في إقليم كوردستان ، وهذا الشعار هو بديل عن العلاقة العدائية بين القوميات ،والديانات ،والمذاهب ، والتعايش يتحقق في جوٍّ يسوده العدل ،والمساواة ،والحرية في الدين ، والمعتقد وتقبل الآخر كما هو ، حتى أن الدول الغربية تشيد بتجربة التعايش السلمي الحقيقي في إقليم كوردستان ، وأصبحت محل فخر لشعب كوردستان .
إذًا التعايش السلمي هو ضرب من التعاون المشترك القائم على أساس الثقة، والاحترام الذي يهدف إلى تحقيق المصالح بين الأطراف المختلفة .
إن الاختلاف ، وعدم وجود الثقة بين النخب السياسية تسببت بأزمة سياسية انعكست سلبًا على المجتمع العراقي برمته ،لاسيما الذين يتبنّون الخطابات الطائفية التحريضية ممّا أدى إلى التشكيك بولائهم للوطن ؛ ولهذا السبب كان البارزاني بعيدًا عن تبنّي تلك الأنواع من الخطابات الطائفية التي تسببت شرخًا في العملية السياسية العراقية برمتها ،والعراق اليوم يدفع ثمن ذلك !
وكانت متبنيات فكرة التعايش السلمي من الأولويات لدى البارزاني من أجل بناء مستقبل زاهر لشعب كوردستان، وهذا لن يتحقق إلا بالإيمان المطلق بمفهوم التعايش السلمي .
وكانت فلسفة البارزاني مبنية على التسامح ضمن الإطار الديني، والمذهبي، والفكري، والسياسي، والاجتماعي،والثقافي ، وعدم التعصب في الآراء، والابتعاد عن منطق الأنظمة الشمولية التي تلغي الآخر .
وتبنّى البارزاني فكرة التعايش السلمي من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة للعيش بسلام مع المكونات جميعها من دون مشكلات .
ومال البارزاني إلى مبدأ الحوار في حلحلة المشكلات، والابتعاد عن الخطابات التصعيدية الذي تؤدي إلى نتائج إيجابية للوصول إلى التفاهم وإمكانية العيش مع الآخر.
والحوار له مرتكزات أسياسية منها:( الإقرار، والاعتراف بوجود أطراف أخرى، والإقرار بوجود مصالح مشتركة، والقدرة على التوفيق بين تلك المصالح)؛ لأن العراق الجديد فيه أطراف سياسية متعددة، فنظام الحزب الواحد ، والقومية الواحدة ،والمذهب الواحد ، والحزب الواحد ،والقائد الواحد انتهى ، وولّى إلى غير رجعة !
وغياب الحوار الوطني بصورة جدية كان له مردودات سلبية على حياة المواطنين العراقيين بانتشار الأفكار المتطرفة ممّا أدى إلى انقسام المجتمع ،وتشتته ؛ وذلك لتبني بعض الأطراف السياسية الخطابات الطائفية السياسية التحريضية التي تخوّن الأطراف الأخرى المشاركة في العملية السياسية ،البعيدة عن نهج الاعتدال من أجل إيجاد حلول ناجعة لمشكلات المجتمع ، وكان بعض الدول الإقليمية لها دور كبير في دعم تلك الخطابات التحريضية بالعراق من أجل مصالحها و أجنداتها السياسية،وهذا ما نراه عبر منصّات التواصل الاجتماعي ،والقنوات الإعلامية التي تتبنّى تلك الخطابات من دون رادع حكومي لتلك القنوات التي تؤجج الفتن في صفوف المجتمع العراقي!
ومن تلك الخطابات التحريضية ضد إقليم كوردستان من بعض الأطراف السياسية التي تروّج بين الفينة والأخرى ،نحو: ( كوردستان إسرائيل الثانية، وكوردستان مركز التجسّس للموساد، والمطبِّعين مع الكيان الصهيونى)!
وعندما يطعمون في المكاسب والمناصب يأتون مهرولين، وزاحفين إلى(سري بلند) ويقفون في الطوابير على أبواب البارزاني لكسب رضا الرئيس (مسعود بارزاني) وفجأة تتغير خطاباتهم تجاه الرئيس البارزاني وإقليم كوردستان، وهذه هي التُّقية السياسية !
وعلى إثر هذه الخطابات والمتبنيات الفكرية التي تفتقر إلى الصحة والبعيدة عن الواقع يتعرّض إقليم كوردستان بين الحين والآخر إلى عدوان عسكري من قبل الميليشيات الولائية الخارجة عن القانون، ومن بعض الدول الإقليمية بحجة ملاحقة الموساد علمًا أن الموساد موجود في تلك الدول وتقوم بعمليات ضد ذلك النظام !
إن فلسفة قبول الآخر واحدة من الأفكار التي يتبناها البارزاني؛ لأن العملية الديمقراطية قائمة على الاعتراف بقبول الآخر .
وهذه الأفكار انعكست إيجابيًا في ترسيخ ثقافة التعايش السلمي في إقليم كوردستان من حيث التعايش الديني والقومي والمذهبي والسياسي .
ويرى البارزاني بأنه يجب أن يدرك الجميع أن قضيتنا لا تدخل ضمن كوننا الأقلية أو الأكثرية في الپرلمان العراقي ؛بل نحن الكورد القومية الثانية في العراق الذي يتكون من قوميتين رئيسيتين .
ومن الخروقات للأعراف السياسية التي أفقدت الثقة بين الرئيس (مسعود بارزاني)،والحكومات العراقية المتعاقبة التي تشكلّت من بعد سنة(2003م)هي الانفراد بالسلطة، واستبعاد الضباط الكورد من الجيش العراقي، والأجهزة الأمنية، وحاول أحد رؤساء الوزراء شراء طائرات (F16) لضرب إقليم كوردستان فيا ترى ما الاختلاف بين طائرات سوخوي (24) ،وميراج (F1)، وميغ (23 و 25) ،و (F16) ؟
على الرغم أننا تخلصنا من النظام الديكتاتوري البعثي الشمولي إلا أن من جاء من بعد سنة (2003م) لا يختلفون عن تلك العقلية سوى الاختلاف في المسميات !
قال الرئيس (مسعود البارزاني):”بعد سقوط نظام صدام حسين حاولنا نقل تجربة إقليم كوردستان إلى بقية مناطق العراق ،ودعونا إلى اعتماد ثقافة التعايش ، والتسامح ، واستخلاص العبر من الماضي ،وللأسف فأن هذا لم يحصل فقد لجأ الكثيرون إلى ثقافة الانتقام ،وهذا سبّب تفكك العراق ” .
ويشير البارزاني إلى أننا كنا مع الشيعة دائمًا عندما ظلموا وبعد عام (2003م) وقفنا ضد تهميش السنة انطلاقًا من أخلاقنا الكوردية عبر التاريخ التي تجعلنا مع المظلومين أبدًا.
ويرى البارزاني أن سياسة إنكار وجود ، وحقوق الشعوب ،والقوميات هي سياسة عفى عليها الزمن ،وليس لها أية قيمة .
إن الدولة العراقية مقسّمة عمليًا، وانتهكت أسس الشراكة ، والدستور، والحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة.
إن تبني منهجية التسامح مع الآخر ،وتعزيز ثقافة التعايش السلمي تساعد على بناء مجتمع مستقر أمني ،وسياسي ،واقتصادي ،وتربوي ،وتعليمي،وصحي ،وتكون النواة الأولى لبناء مجتمع مدني بعيدًا عن الأفكار القبلية والسلطة العشائرية، وتحكّم رجالات الدين بالسلطة كحال العراق !
ونتيجة لخبرة الرئيس (مسعود بارزاني)في السياسة، وتجربته الطويلة استطاع تجنّب إقليم كوردستان مخاطر الخطابات المتشنجة ،وعمليات الانتقام ،وإبعاد الساحة الكوردستانية عن الصراعات الداخلية والخارجية، لكن هناك بعض الدول الإقليمية تحاول نقل أزمتها الداخلية إلى إقليم كوردستان بعد ثورة البناء ،والإعمار ،والتقدّم العمراني ،وبناء البنى التحتية لشعب كوردستان ممّا أزعج الأطراف السياسية العراقية التي تدين بالولاء لتلك الدول ؛ لأنهم لم يستطيعوا تقديم الخدمات لجماهيرهم ، وأهدروا مليارات الدولارات إبان الميزانيات الانفجارية، وحافظ البارزاني على النسيج الاجتماعي لمكونات إقليم كوردستان المتعايشون عبر آلالف السنين، ولَمّ شمله لكي لا تتأثر بما يجري في العراق من تبنّي للعقليات العنجهية الهمجية التي تفكّر بالثأر والانتقام !
وعمل البارزاني على نشر ثقافة التسامح ، والتعايش بين مكونات كوردستان ،ومنع الوسائل الإعلامية من نشر خطابات الكراهية، وإثارة النعرات الطائفية ،أو الترويج للعنف بأشكاله ،وأنواعه التي تهدِّد السلم الأهلي وتخرق أُسس التعايش السلمي في المجتمع ،واحترام المعتقدات الدينية، وفتح الباب لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على إرساء ثقافة التعايش السلمي بين المكونات،وفتح الورشات التدريبية ،ونقل تجرية إقليم كوردستان في التعايش للمتدربين العراقيين .
في يوم الأحد الموافق ( 7 آذار 2021 ) قَدِمَ قداسة الحبر الأعظم إلى إقليم كوردستان فكانت زيارته مختلفة جدًا عن بغداد من حيث الترتيب ،والتنظيم ،والپروتوكول ، واستقباله من قبل مكونات كوردستان : ( الكورد ، والعرب ، والتركمان ، والكلدان ، والسريان ، والآشوريين ، والمسلمين ، والمسيحيين ، والإيزيديين ، واليهود ، والكاكائية، والبهائية ، والزرادشتية) ،وهم المكونات الأساسية في إقليم كوردستان .
وقد أثنى قداسة پاپا الڤاتيكان على دور إقليم كوردستان في مواجهة الإرهاب واحتضان النازحين ،والحفاظ على التعايش السلمي بين المكونات الدينية كافة .
وقد استبشر الپاپا فرنسيس خيرًا عندما رأى لوحة حية متحركة في إقليم كوردستان بجميع قومياتها ، ودياناتها ،ومكوناتها ،ومذاهبها متعايشون مع بعضهم .
إن مثل هذه المواقف لم تأتِ من فراغ بل كانت لمسات الرئيس (مسعود بارزاني ) كانت حاضرة في تشكيل لوحة فنية من مكونات كوردستان على شكل فسيفساء وفن الموزاييك .
وخلال مشاركة الرئيس(مسعود بارزاني) في مراسم افتتاح الكنيسة المشرقية الآشورية بأربيل عاصمة إقليم كوردستان في يوم الإثنين (12 أيلول 2022م) قال البارزاني:
” إنه ليس هناك أجمل من التعايش السلمي بين جميع المكونات الدينية والقومية في أي بلد من العالم.
مضيفًا أن هذه المناسبة تمثل إشارة إلى العلاقة التأريخية التي توطّدت منذ مئة عام بين الشهيدين الكبيرين، الشهيد الشيخ (عبد السلام بارزاني)،والشهيد(مار شمعون)”.
وأشار إلى أن حجر أساس التعايش السلمي أُرسي منذ ذلك العهد، مُردفًا بالقول: “فليس هناك أجمل ، وأفضل من أن يعيش الجميع أخوة في أي بلد”.
وعبّر الرئيس البارزاني عن فخره واعتزازه بأن تتحول هذه الثقافة إلى ثقافة لدى أهالي كوردستان عامة، وبين جميع الأديان والقوميات والمذاهب.
ومؤكَّدًا بالقول بأننا :”سنواصل دعم أهالي كوردستان كافة من دون تمييز هذا البلد بلدنا جميعًا، وعلينا أن نعيش فيه بإخوّة وكرامة وحرية”.
وفي كلمة للرئيس(مسعود بارزاني) خلال مشاركته بمراسم افتتاح مهرجان دهوك الثقافي في يوم الأحد(25 أيلول 2022م) قال:”… أودُّ أن أؤكد على أواصر الأخوة والمحبة بيننا، مهما اختلف السياسيون يجب أن تبقى العلاقة بين الشعوب علاقة متينة وعلاقة محبة وعلاقة أخوة “.
ومن مآثر ثورة أيلول بالرغم من كل ما حصل وكذلك ثورة أيار بالرغم من كل الكوارث التي حلّت بشعب كوردستان من الأنفال إلى القصف الكيمياوي إلى الإبادة الجماعية إلى التهجير القسري لكن احتفظ شعب كوردستان بحبه ومودته تجاه أشقائه العرب”.
ولم نحسب تلك الجرائم على الشعب العربي ، وإنما على الحكام الذين ظلموا العرب والكورد وجميع المكونات الأخرى في هذا البلد، يجب أن تبقى هذه العلاقة قوية بيننا و أن لا تتأثر بالخلافات السياسية “.
وكلام الرئيس (مسعود بارزاني ) مبني على وصية والده (البارزاني الخالد) لثوار الحركة التحررية الكوردية بألا يخلطوا بين الشعب وتلك الأنظمة القمعية التي لا تمثل سوى فكرها الدكتاتوري وأن العرب هم أيضًا ضحايا تلك الأنظمة الشمولية !
هذه هي فلسفة الرئيس (مسعود بارزاني) في تعزيز قيم ثقافة التعايش السلمي بين مكونات كوردستان .
فلم تستطع الحكومات العراقية زرع، وتكريس ثقافة التعايش السلمي بين الشعوب العراقية ؛ لأن العراق ليس شعبًا واحدًا ؛ بل شعوبًا متعددة مختلفة الثقافات، والمشارب وأخفقت إخفاقًا كبيرًا في ذلك.