دفعت حرب الكرملين على أوكرانيا بعض الكهنة في البلاد إلى المطالبة بالانفصال عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي انتمت إليها أبرشياتهم طوال قرون.
على غرار كثير من نسيجهما الاجتماعي والثقافي، تشابكت أوكرانيا وروسيا بمعتقداتهما الدينية مئات السنوات. لكن حرب الرئيس فلاديمير بوتين التي أسفرت عن مقتل المئات وأرغمت أكثر من مليوني شخص على الفرار من البلاد، أدت الى تغيير ذلك أيضاً.
يقول ايوف أولشانسكي، الكاهن في دير القيامة الأرثوذكسي الجديد في مدينة لفيف غرب البلاد، “الرئيس الروسي هو قايين اليوم” في إشارة إلى قيام قايين، الابن الأول لآدم وحواء، في الكتاب المقدس بقتل أخيه هابيل. ويضيف “السبيل الوحيد لكنيستنا هو الاستقلال”.
كانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هي المهيمنة في أوكرانيا على مدى 300 عام تقريباً بما يشمل الحقبة السوفياتية حين تم حظر الدين رسمياً، وكان المؤمنون يمارسون شعائرهم سراً.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، انقسمت الطائفة الأرثوذكسية في أوكرانيا إلى ثلاثة فروع: فرع تعهد رجال الدين فيه بالولاء لبطريركية موسكو، وآخر تابع للبطريركية التي تأسست حديثاً في كييف وكنيسة أوكرانية أرثوذكسية مستقلة أصغر.
لكن هذا تغيّر بعدما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وضمتها من أوكرانيا عام 2014، ثم دعمت الانفصاليين الذين شكلوا منطقتين منفصلتين غير معترف بهما في شرق أوكرانيا. أدى هذا النزاع إلى مقتل حوالى 13 ألف شخص.
بعد أربع سنوات من ضم شبه جزيرة #القرم، اعترفت بطريركية القسطنطينية المسكونية ومقرها إسطنبول باستقلالية كييف دينياً، ما أتاح إنشاء كنيسة أوكرانية موحدة.
في المقابل، خسرت الكنيسة الروسية عدداً من أعضائها لصالح الكنيسة الأوكرانية الموحدة الجديدة، لكنها ظلت ثاني أكبر طائفة في البلاد. فقد أفاد استطلاع للرأي أجري في 2021 بأن 58 في المئة من المؤمنين الأرثوذكس يعتبرون أنهم أعضاء في الكنيسة الموحدة الجديدة مقابل 25 في المئة لا يزالون تابعين لبطريركية موسكو. لكن كهنة مثل أولشانسكي البالغ من العمر 33 سنة باتوا يطالبون الآن بالانفصال.
أصبح الدير الذي يشرف عليه أولشانسكي مركزاً لتقديم المساعدة للنازحين من القتال في الشرق. حين تحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، كانت مجموعة من حوالى 33 من البالغين والأطفال الذين أمضوا الليل هناك، بعضهم ينام على الأرض أمام المذبح، يتناولون وجبة الإفطار.
يقول أولشانسكي “نحاول مساعدة الجميع”، مضيفاً “نحن لا نسأل من هم”. يساعد دير أولشانسكي أيضاً القوات المسلحة الأوكرانية في جمع وإرسال الإمدادات مثل منتجات النظافة وأكياس النوم.
أولشانسكي ليس الوحيد الذي دعا إلى الانفصال عن بطريركية موسكو التي وصف رئيسها البطريرك كيريل خصوم روسيا في أوكرانيا بأنهم “قوى الشر” بدلاً من إدانة الغزو.
في أبرشية لفيف، لم يعُد اسم كيريل يُذكر في القداديس ونشر كهنة عدة من مختلف أنحاء أوكرانيا شريط فيديو يدعو إلى الانفصال التام عن الكنيسة الروسية.
وطلبت مجموعة أخرى من الكهنة من منطقة لفيف، عقد اجتماع وطني للكنيسة لإعلان استقلالها رسمياً عن موسكو.
نشر هذا النص أمام كنيسة القديس جاورجيوس، مقر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في لفيف إلى جانب آخر يعدّد حاجات المقاتلين الأوكرانيين.
لجأ كاهن إلى الدير بعدما فرّ من أبرشيته قرب كييف مع زوجته وولديه. تقول زوجته فيرا خوفوست “أنا مقتنعة مئة في المئة بأنه علينا الانفصال عن البطريركية الروسية”.
وتضيف “إذا كانوا يعتبروننا إخوة، فلا يمكن أن يكون لديك أخ يقتل أخاه” وتقول “الجار الصالح لن يخوض أبداً حرباً ضد جاره”.
كان غرب أوكرانيا حيث غالبية السكان ينتمون إلى الطائفة الكاثوليكية اليونانية، معقلاً للقوميين الأوكرانيين منذ عقود. كانت المشاعر المناهضة للروس عالية في البلاد حتى قبل ضم شبه جزيرة القرم.
لذلك بعدما شن الكرملين حربه على البلاد، واجه أولشانسكي مضايقات وتهديدات من بعض المسؤولين المحليين المنتخبين.
بالنسبة إليهم، فإن ارتباطه بكنيسة مقرها موسكو يعني أنه شخصية مؤثرة بالنسبة إلى روسيا.
حتى تفتيش بعض الكنائس الأرثوذكسية الروسية تم في غرب البلاد للاشتباه في قيامها بإخفاء أسلحة. وعلّقت مجموعة من الشباب لافتة تتضمن إهانات لبطريرك موسكو في كنيسة القديس جاورجيوس.
وعلى الرغم من هذا التوتر، يقول أولشانسكي إنه لا يشعر بأنه مهدد. ويضيف “إنها مجرد عواطف. أنا لا أغضب من هؤلاء الناس. أفهمهم وأسامحهم”.
٠
الأشخاص الذين تم الوصول إليهم
١
تفاعل
–
مجموع نقاط التوزيع
١١