#مؤسسة_رؤى_للدراسات
لأجيال عديدة كانت العرائس والدمى لعبة أساسية لكل الأطفال، فلا يخلو صندوق ألعاب من دمية، سواء كانت مصنوعة من قماش أو بلاستيك، وصولا للعرائس الناطقة.
هذه العرائس يتعامل معها الطفل باعتبارها طفلا أصغر له ذات الاحتياجات التي يحتاجها، ويطعمها ويسقيها ويبدل لها ملابسها، فتتحول الدمية من مجرد لعبة إلى فكرة تترسخ في ذهن الطفل حول مسؤولياته المستقبلية.
ومع ظهور الألعاب الإلكترونية وتفضيلها من قبل أطفال عصر الرقمنة، غابت الدمى عن صناديق الألعاب، وصارت الألعاب الميكانيكية هي المفضلة للآباء لتشجيع أبنائهم على المهارات العلمية والرياضية، لكن ماذا عن السلوك؟ وماذا عن فوائد اللعب بالدمى؟
يشير مقال نشر بالدليل الأميركي للألعاب، إلى أن اللعب بالدمى يمنح الأطفال خيالا مختلفا عن الحياة وتبادل الأدوار، كما أن السيناريوهات التي يتخيلها الأطفال أثناء لعبهم مع الدمى توفر لهم الفرصة في تقديم أنفسهم كمقدمي رعاية أو أطباء أو معلمين، ويمكن من خلالها تطوير التعاطف ومهارات التواصل وقدرات حل المشكلات.
كما يمنح اللعب مع العرائس نموذج محاكاة للحياة الحقيقية، فيمكن للفتيات أن يقمن بدور أمهاتهن في حياتهن الحقيقية.
تقدم بعض شركات تصنيع الدمى ملحقات أخرى مثل الملابس وأدوات الطبخ ومستحضرات التجميل، وتتيح تلك الملحقات للفتيات أن يصممن أزياء للدمية، أو يعتنين بشعرها، بالإضافة لمهام التنظيف وكتابة المذكرات؛ حياة تشبه حياتهن، لكن على عكس الواقع، هن المتحكمات في الفعل وليس في رد الفعل، مما يجعل تلك الدمى صاحبة دور أكبر من كونها مجرد لعبة، فهي تمنحهم القدرة على اكتشاف ذواتهم كأطفال، والنظر بزاوية جديدة لعالمهم وتجاربهم.
الدمية أم اللعبة الإلكترونية؟
كشفت دراسة أجراها علماء الأعصاب بجامعة كارديف البريطانية، أن اللعب بالدمى ينشط مناطق الدماغ المرتبطة بمعالجة المعلومات الاجتماعية والتعاطف، مما يُمكن الأطفال من استخدام تلك المهارات حتى أثناء اللعب بمفردهم.
أظهرت الدراسة أن لعب الأطفال بالدمى يظهر نفس مستويات التنشيط لمهارات التواصل، كما هي الحالة حين اللعب مع الآخرين، بينما كان تعرض ذات الأطفال للألعاب على حاسوب لوحي، يمنحهم استجابة أقل للمهارات الاجتماعية، حتى وإن اشتملت الألعاب اللوحية على نسبة كبرى من الإبداع والحماسة.
تقول الدكتورة سارة عبد الحميد، استشاري ومدرس الطب النفسي بمستشفيات جامعة عين شمس إن العرائس التقليدية والدمى المصممة التي تحاكي بعض المهن المرتبطة بذهنية الأطفال مثل الطبيب أو المعلم، أو الآباء والأمهات “تقدم علاجا فعالا لأغلب مشكلات الطفولة من توتر ومخاوف تتعلق بالابتعاد عن الأم بعد مرحلة الفطام”.
وأوضحت أن “الدمى تقدم بديلا مميزا للطفل الوحيد، الذي ليس لديه إخوة، ولا يوجد أطفال في محيطه، فهي تمنحه حياة تشاركية مع شخصيات موجودة بالفعل وليست متخيلة، فالطفل يعامل الدمية باعتبارها شخصا، ويمنحها اسما وتفاصيل مرتبطة بحياته اليومية”.
وحول مخاوف الآباء من تعلق الطفل بالدمية، توضح الدكتورة سارة عبد الحميد أن “بعض الآباء قد يخافون من ذلك التعلق، لكن على العكس تماما، وجود تلك الدمى في محيط الطفل ومشاركته يومياته يمنحه حياة حقيقية أفضل كثيرا من متابعة فيديوهات الكارتون أو مقاطع اليوتيوب المصورة”.
قواعد اختيار الدمية المناسبة لطفلك
يضع دليل الألعاب الأميركية عدة قواعد لاختيار الدمية المناسبة للأطفال بحسب عمره، واهتماماته، وعلى الأولياء تحديد الخيار المناسب بناء على تفضيلات طفلهم إن كان يفضل اللعب وحيدا أم يفضل المشاركة، وهل يفضل الحركة أم اللعب الثابت، وهل يحب الموسيقى والأصوات المختلفة، أم يفضل اللعب بلا أصوات مرتفعة، وهل يفضل ألعاب الحيوانات وأشكال الغابة، أم يفضل الدمى البشرية لمهن مختلفة؟
وأوضحت الدكتورة سارة عبد الحميد أن “جميع الدمى مفضلة في مرحلة الطفولة، ولكل واحدة منها جانب مميز، وقادر على جذب انتباه الطفل بحسب نوعه وعمره، لكن من أهم قواعد اختيار الدمية، ألا تكون أطول من ذراع الطفل، عند قياسه من المرفق وحتى أطراف الأصابع، لكي يصبح من السهل عليه احتضانها”.
وتابعت أن “أفضل أنواع الدمى باستثناء تلك التي تستخدم في التدريب على قضاء الحاجة، هي تلك التي لا تفعل أي شيء، يكفي فقط أن يكون الطفل قادرا على احتضانها والحديث معها وتكييفها بالشكل الذي يريده هو، فلا داعي أن أجلب لطفلي ذي العامين، دمية تتحدث 4 لغات، أو تخبره بمهام عليه تنفيذها، هي ليست معلما، ولا يوجد وقت مخصص للدرس، هي فقط لعبة”.
وبحسب استشارية الطب النفسي فإن اللعب بالدمى ليس فقط تسلية الطفل أو ملء الفراغ الذي تستطيع فيه الأم إنجاز مهامها، فقيمة اللعبة أكبر من ذلك بكثير في حياة أطفالنا، لأن دمية واحدة مع طفلك تمنحه أمانا وثقة وقدرة على التفاعل أكبر بكثير مما قد يمنحه له العالم حين يكبر، وذلك عبر التنفيس والتواصل وضبط مستويات القلق، ونبذ الخوف، وحل المشكلات.