#مؤسسة_رؤى_للدراسات
أعلنت وزارة الخزانة في واشنطن الأسبوع الماضي عن زيادة حيازة العراق من سندات الخزانة الأميركية بقرابة 1.74 مليار دولار خلال شهر واحد فقط، لتصل إلى نحو 40 مليارا، وهو ما يشكل نحو ضعف ما كان تحوزه بغداد من هذه السندات قبل نحو عامين.
وكشفت وزارة الخزانة عن وصول حيازة العراق من هذه السندات إلى نحو 39.717 مليار دولار في يناير/كانون الثاني الحالي، وأن مجموع استثمار بغداد بهذه السندات ارتفع بما يعادل 87% مقارنة بنفس الشهر من عام 2021، حيث كان يبلغ استثمار العراق آنذاك قرابة 21.2 مليارا.
من جانبه، يؤكد مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي أن أهم طرق إدارة الاحتياطيات الأجنبية الرسمية للبلاد تتمثل بالقدرة على توفير الاستثمار الكفؤ والآمن وبأدوات مالية عالية المستوى، سواء من حيث تعظيم العائد أو تخفيض المخاطر.
ويتابع صالح أن هذه الاحتياطيات تتوزع على العملات الرئيسية في العالم، وبأوزان نسبية مختلفة بحسب مناطق تجارة العراق مع العالم، وذلك من أجل تجنب مخاطر تذبذب أسعار صرف العملات فيما بينها وتحقيق عائد متوازن في الوقت نفسه.
علاوة على ذلك، يقول صالح “يعتمد العراق أدلة الاستثمار القياسية العالمية في تحديد درجة التنويع بالعملات والأدوات المالية، إذ تُعتمد الاستثمارات بالأدوات المالية السيادية بالغالب، كسندات الخزانة الأميركية القصيرة الأجل أو سندات الحكومات الأوروبية أو البريطانية ذات التصنيف الائتماني العالي (AAA) أو وضعها بودائع ثابتة لدى مصارف الدرجة الأولى عالميا بنسب ومقادير تجنب تعرضها للمخاطر القانونية وغير ذلك”.
ما أسباب الاستثمار بالسندات؟
وعن سبب استثمار العراق ب السندات الأميركية، يؤكد صالح أن الإيرادات النفطية للعراق مقومة بالدولار في الأساس جراء طبيعة السوق النفطية، لافتا إلى أنه وبسبب أن الصادرات النفطية العراقية تهيمن على إجمالي الصادرات في الحساب الجاري لميزان المدفوعات في البلاد، فإن عوائد النفط بموجب ذلك دولارية النشأة والتكوين، بحسب تعبيره.
وهناك أسباب أخرى لزيادة حجم الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية، بحسب صالح الذي أضاف أنه ومع ارتفاع قيمة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي خلال الأشهر العشرين الأخيرة من حد أدنى 50 مليار دولار إلى احتياطي كبير وصل لنحو 100 مليار الآن، فإن حصة الاستثمار بسندات الخزانة الأميركية قد ازدادت تلقائيا بسبب الوزن العالي للدولار وقيمة الفائدة التي يحصل العراق عليها والتي بلغت نحو 4%.
أما نائب محافظ البنك المركزي عمار حمد فيرجع سبب زيادة حيازة العراق للسندات لجملة من الأسباب، إذ إن الزيادة الكبيرة في احتياطيات المركزي واتساع حجم الإيرادات النفطية مع عدم تشريع موازنة عام 2022، كل هذه العوامل مجتمعة عززت من الاحتياطيات الأجنبية للبلاد.
وأضاف حمد -في حديثه لصحيفة الصباح الحكومية- أن تراكم العوائد العراقية من الدولار يحتم على العراق إيداع إيراداته النفطية في حساب بنكه المركزي لدى الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وذلك من أجل ضمان استثمار هذه العوائد، بحسب تعبيره.
مزايا عديدة
ويذهب في هذا المنحى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي الذي أضاف أن العراق بات رابع أكبر دولة عربية من حيث قيمة السندات الأميركية التي بحوزته، لافتا إلى أن الاتجاه التصاعدي لحيازة العراق واستثماره بهذه السندات خلال العام الماضي يعزى لارتفاع الاحتياط النقدي المركزي العراقي، وبالتالي هناك جدوى اقتصادية من شراء هذه السندات نظرا لتصنيفها الائتماني المرتفع، مع زيادة سعر الفائدة الممنوحة لمن يمتلكون هذه السندات من 1% إلى 4% حاليا.
أوضح أن هناك 3 أنواع من سندات الخزانة الأميركية، تتمثل بقصيرة الأجل التي تمتد لأقل من عام واحد، وأخرى تمتد لأكثر من عام واحد، وسندات طويلة الأجل تمتد لـ 10 سنوات، لافتا إلى أن معدلات الفائدة المرتفعة على الدولار شجّعت الكثير من الدول للاستثمار بهذه السندات ومنها العراق.
في غضون ذلك، يقول المرسومي “إن استثمار العراق في سندات الخزانة يعد تنويعا للمحفظة الاستثمارية مع الحصول على عوائد إضافية من خلال تسييل هذه السندات، سيما قصيرة الأجل، بمعنى بيعها وتحويلها إلى دولار لأجل تمويل ميزانية الدولة في حال تعرضت لضائقة مالية”.
ليس هذا فحسب، إذ يضيف الخبير المالي محمود داغر أسبابا أخرى لزيادة حيازة العراق من هذه السندات، مبينا أن بلدا كالعراق لديه احتياطيات نقدية بالدولار بنسبة تتراوح بين 80 و85% من الحجم الكلي للاحتياطيات، وأن سندات الخزانة الأميركية تتمتع بعوائد كبيرة مقارنة بالدولية الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى أفضلية السندات الأميركية من حيث إمكانية تسييلها وتحويلها لنقد وقت الحاجة.
وعن مخاطر استثمار العراق بهذه السندات في حال حدوث ركود عالمي، لا يرى المرسومي أية مخاطر جراء ذلك، مبينا أنه لا يمكن ربط أية مخاطر في الاستثمار بسندات الخزينة مع الدين العام الأميركي الذي يعد دينا داخليا للولايات المتحدة مستثمرا في ذات هذه السندات الأميركية، بحسب تعبيره.
ويقول المرسومي “تعتقد الحكومة العراقية أن الاستثمار في السندات الأميركية يعد أفضل وسيلة لحفظ الأموال في مواجهة مطالبات الدائنين الدوليين في القطاع الخاص من غير دائني نادي باريس”.
ويتفق هذا مع طرح داغر حيث يضيف “رغم تحذير بعض السياسيين من زيادة حيازة العراق لسندات الخزانة الأميركية، إلا أنه لا توجد مخاطر جراء ذلك، إذ إن العراق لا يشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي، وبالتالي، لا توجد احتمالية لتجميد الأرصدة العراقية”.
وعن ذلك، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء إن إدارة الاستثمارات العراقية تجري وفق خرائط وأسس تُحفظ من خلالها مصالح البلاد المالية بالطريقة المثلى، مبينا أن هذه المهمة تقع على عاتق دائرة الاستثمارات بالمركزي العراقي التي تعد الدائرة المركزية المسؤولة قانونيا عن إدارة المحفظة الاستثمارية بالعملة الأجنبية، بحسب تعبيره.