#مؤسسة_رؤى_للدراسات
يبدو أن قرارات الحكومة العراقية بتعيين مئات الآلاف من الموظفين الجدد في قطاعات التربية والكهرباء والتعليم والأمن سترفع نفقات العراق السنوية إلى مستويات قياسية قد تكون الأولى من نوعها منذ تأسيس الدولة، كما تزيد المخاطر من حصول عجز كبير في حال انخفاض أسعار النفط العالمية.
وأصدرت الحكومة العراقية سلسلة من القرارات حولت بموجبها المحاضرين المجانيين في المدارس العراقية الذين يتجاوز عددهم 220 ألف شخص إلى وظائف دائمة، فضلاً عن تعيين أكثر من 100 ألف متعاقد في وزارة الكهرباء بوظائف دائمة، وهو الأمر الذي طاول عشرات الآلاف في مختلف الوزارات العراقية.
62 تريليون دينار
أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في مؤتمر صحافي ارتفاع مخصصات الرواتب في موازنة عام 2023.
وقال السوداني إن “تثبيت الأجور والعقود والمحاضرين خلق فرص عمل، لذا فإن فقرة الرواتب في الموازنة ارتفعت من 41 تريليون دينار (28 مليار دولار) إلى 62 تريليوناً (42 مليار دولار)”.
وأثارت هذه التصريحات نوعاً من القلق لدى نواب وخبراء اقتصاديين وجدوا فيها زيادة كبيرة في النفقات التشغيلية للموازنة العراقية خلال عام واحد.
وعد عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراق أحمد حاج رشيد، بتعيين الموظفين الجدد “مخالفة قانونية لعدم تشريع قانون موازنة 2023”.
وقال رشيد إن “مبلغ تعويضات الموظفين زاد من 43 تريليون دينار (28 مليار دولار) إلى 62 تريليوناً (42 مليار دولار)، وهذا يعني أن استحداثات الوظائف الجديدة تم خفضها”، مبيناً أن هذا الأمر يعد مخالفة قانونية في قضية تعيين الموظفين الجدد قبل تشريع موازنة 2023.
درجات الحذف
يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي أن من الضروري أن تكون أعداد العاملين الذين يتم تعيينهم في القطاع العام مساو لدرجات الحذف والاستحداث، على أن تنسجم هذه الأعداد مع حاجة مؤسسات الدولة، معرباً عن مخاوفه من أن تكون فاتورة الرواتب مساوية لإيرادات النفط.
وقال قصي إن الموازنة الخاصة برواتب وأجور الموظفين ارتفعت بعد حملة التعيينات الأخيرة وزيادة نفقات الرعاية الاجتماعية من 43 تريليون دينار (28 مليار دولار) إلى 62 تريليوناً (42 مليار دولار)، مبيناً أن فاتورة الموظفين تزداد سنوياً مع زيادة رواتب هؤلاء الموظفين نتيجة ترفيعهم.
وأضاف قصي أن من المقرر إطلاق ما يقارب 300 ألف درجة وظيفية في موازنة 2023 التي سيتم حصولها نتيجة الحذف والاستحداث، فضلاً عن إمكانية الحصول على أرقام أكبر من الدرجات الوظيفية إذا ما تم تقليل العمر التقاعدي للقوات الأمنية ليكون 50 بدل 60 سنة كما معمول به حالياً، مشيراً إلى أن هذا الأمر يمكن تطبيقه في ظل الاستقرار الأمني والأعداد الكبيرة من القوات الأمنية، كما سيحل جزءاً من المشكلة عبر تعيين أعداد كبيرة من الشباب.
ولفت قصي إلى أن تعيين أعداد أخرى من الموظفين مستقبلاً سيثير حفيظة صندوق النقد الدولي لا سيما أن إيرادات العراق نفطية ولا يمكن أن تكون هناك أعداد أخرى من الموظفين، مبيناً أن توجيهات صندوق النقد ترى ضرورة أن تكون هناك استدامة لموضوع ترشيد النفقات التشغيلية وعدم إرهاق الموازنة في السنوات المقبلة.
مجلس الخدمة
وتابع قصي أن المسؤول الأول عن حاجة العراق من الموظفين هو مجلس الخدمة الاتحادي الذي يستطيع أن يحدد نوع النشاط الحكومي وحاجته، محذراً من أن استمرار أسعار النفط على ما هي عليه سيعني عدم استطاعة الحكومة الوفاء بالفاتورة العالية لرواتب الموظفين كونها تزداد سنوياً لأنهم يترقون إلى درجات أعلى مما يؤدي إلى زيادة رواتبهم بشكل يساوي إيرادات النفط.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل أساس على تصدير النفط الخام في الحصول على ورادته المالية، وتشكل العوائد النفطية أكثر من 90 في المئة من إيراداته السنوية التي تذهب أغلبها كرواتب ومنح لشرائح مختلفة من المجتمع العراق، أغلبها لا يمثل طبقة إنتاجية.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 فتحت الحكومات العراقية المتعاقبة وبضغط من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الباب واسعاً أمام التعيينات في دوائر الدولة العراقية كجزء مهم من حملتها الدعائية للانتخابات، الأمر الذي رفع عدد العاملين في القطاع العام من 850 ألفاً عام 2003 إلى أربعة ملايين موظف وعامل وأجير ومتعاقد يتقاضون نحو 43 تريليون دينار (28 مليار دولار) سنوياً.
وتوقع أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية عبدالرحمن المشهداني أن تكون أعداد الذين سيتقاضون رواتب من الدولة عام 2023 نحو 10 ملايين شخص.
حرج الحكومة
وقال المشهداني إن “ارتفاع نفقات رواتب الموظفين إلى هذا الحد يشير إلى أن أعداد الموظفين الذين سيجري تعيينهم أكثر من مليون موظف”، متوقعاً أن يصل إجمالي المصروفات التشغيلية لجميع الرواتب بما فيها الحماية الاجتماعية والموظفين والمتقاعدين إلى 90 تريليون دينار (61 مليار دولار) سنوياً، فضلاً عن مصاريف أخرى تشغيلية.
وأضاف أن هذا الأمر سيضع العراق في حرج كبير لعدم قدرته على تنفيذ تلك الالتزامات في أية أزمة قد تعصف بالحكومة، مشيراً إلى أن ما يجري هو استنزاف للموازنة ومصاريف من دون دراسة اقتصادية، وسيكون عدد الذين يتسلمون رواتب من الدولة بمن فيهم المتقاعدون والرعاية الاجتماعية والموظفون الذين يبلغ عددهم خمسة ملايين موظف بحدود 10 ملايين شخص.
وخلص المشهداني إلى أن “الذين أكملوا أوامرهم سيتم إدراجهم ضمن الموازنة وتغطيتهم من الحذف والاستحداث”.