#مؤسسة_رؤى_للدراسات
في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعصف بالكثير من الأسر، ومع الأزمات الكثيرة التي تحد من قدرة الشباب على الزواج، وتؤخره إلى عمر متقدم، ينحصر عدد الأولاد ضمن الأسرة ويتقلص سنويا.
وباتت العديد من الأسر لا تنجب أكثر من طفل واحد، لكن هذه المقاربة خاطئة، لأن التوقف عن إنجاب أكثر من طفل واحد، يجعله يترعرع وينشأ دون إخوة، ويلغي مفهوم بناء العائلة، ويدفع بها نحو التقلص، ويحصرها في عناصر أقل، ويمنع العائلة المتمددة التي لها عدة إيجابيات مع وجود الإخوة والأخوات وأولادهم، ومن ثم يتقلص أو ينعدم مفهوم العمومة والخؤولة.
ويعتبر الخبراء أن سياسة إنجاب الطفل الواحد سلبية، لأنها تحرمه من التفاعل الإيجابي الذي تكفله العائلة المكونة من عدة أطفال، ويرون أن إنجاب طفلين أو ثلاثة أمر جيد لتكوين أسرة طبيعية ومثالية.
وترى نادين غالب، أخصائية علم النفس الأسري، أن معظم الأسر المعاصرة أصبحت تفضل إنجاب طفلين فقط، مضيفة أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورا كبيرا في هذا التغيير، وأصبح تكوين الأسرة وقرار إنجاب الأطفال في المجتمعات الحديثة خاضعا لهذه الظروف.
وتقول نادين إنه “حينما يقرر الناس إنجاب عدد أقل من الأطفال، يصعب إقناعهم بخلاف ذلك”، مشيرة إلى أن إنجاب الأطفال “يصبح أقل أهمية وأكثر صعوبة من الناحية العملية في جميع أنحاء العالم، كلما ازداد إقبال النساء على التعلم والانخراط في سوق العمل”.
إذ ظهرت صورة نمطية للعائلة المثالية تقوم على الأم والأب مع طفلين فقط، وتم الترويج لكون هذه الصورة هي التي تحقق للأسرة “الرفاه وترشيد الإنجاب والتنظيم العائلي”.
كما أشارت الأخصائية النفسية إلى أن هذا العدد المحدود من الأطفال “يجعل المرأة تشعر أنها أكثر شبابا وجاذبية، في مقابل أن الأسرة متعددة الأطفال، ومع منتصف العمر تبدو فيها الأم أكبر سنا مما هي عليه، وببشرة شاحبة وأقل حيوية”.
مزايا إنجاب أكثر من طفلين
وتقول نادين غالب إن الدراسات أثبتت أن العائلة التي لديها أكثر من طفلين “تشعر بالدعم الاجتماعي”، وترى أن من إيجابيات العائلة الكبيرة:
1- ضمان الاستمرارية
يعزز وجود الأطفال الروابط العائلية بين الوالدين، ويجعلهما يعيشان في كنف أسرة متماسكة، خصوصا أن سياسة الطفل الواحد قد تجعل أحد أفراد العائلة يشعر بالنقص، أو الرغبة الخفية في إنجاب المزيد من الأولاد. كما يسهم الأولاد في المحافظة على العلاقة الوطيدة بين الزوج والزوجة.
2- وجود سند حقيقي
الأخوة من العناصر المهمة في حياة الإنسان، لذا فإن إنجاب أكثر من طفل واحد من شأنه أن يضمن للطفل وجود مساندين له سواء في المدرسة أو في البيت، أو في الحياة عموما.
وتكمن حاجة الطفل إلى إخوة بشكلٍ كبير في مرحلة المراهقة، حيث يجد نفسه بحاجة إلى إنسان يفهمه ويقرأ تطلعاته وأحلامه وأفكاره بوضوح. وبعدها يأتي دور الإخوة كسند حقيقي مع تقدم الأهل في العمر.
3- رفقة تحت سقف واحد
وجود عدد كبير من الأطفال لدى العائلة الواحدة له فائدة إيجابية، من ناحية وجود شخص للعب معه، وبالتالي وجود رفيق للعب المباشر تحت سقف واحد.
وتقول الخبيرة الاجتماعية آلاء غندور “لا يوجد عدد أطفال محدد يوصى به، خاصة أن دراسات الصحة النفسية العالمية تبين أن زيادة عدد الأبناء؛ يؤثر إيجابا على صحتهم النفسية؛ إن توفرت لهم بيئة آمنة وظروف معيشية جيدة”.
وأشارت غندور إلى دراسة أجرتها عالمة الديمغرافيا في جامعة هوبكنز أليسون جيميل عام 2022، حيث وافق حوالي 51% من الأشخاص -الذين شملتهم عينة الدراسة- على أن الأسرة المثالية هي التي تتألف من طفلين، على عكس أيام التسعينيات من القرن الماضي، حيث اتفق ثلث الأميركيين على أن الأسرة المثالية التي لديها 3 أطفال أو أكثر.
وترى آلاء غندور أن المفارقة أصبحت واضحة وصار التركيز على هذه الصورة النمطية. وتقول في ما يخص المجتمعات العربية الحديثة، إن الكثير من الأزواج في الوطن العربي يرون أن إنجاب طفلين هو العدد المثالي للأطفال بالنسبة للأسرة.
تباين آراء النساء والرجال
وبيّن تقرير نشره موقع “ميديوم” الأميركي أن أغلبية النساء بالولايات المتحدة يتفقن على أن العدد المثالي للأسرة الناجحة هو إنجاب 3 أطفال، بينما يبدي الرجال اهتماما بإنجاب طفل واحد فقط.
وبالنظر إلى الأجيال المختلفة، ظهر نموذج مجتمعي جديد يقوم على الفردية والعائلة الصغيرة، وصورة الأم والأب مع طفلين فقط، لذلك فإن إنجاب أكثر من طفل واحد من شأنه أن يضمن التنوع داخل العائلة، وعلى كل الأصعدة.
وهذا من شأنه أن يعزز التعاون والتكافل ضمن العائلة والمساعدة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. لكن الأهم من كل ذلك، هو ضمان التنشئة الصحيحة والاستقرار العائلي.