#مؤسسة_رؤى_للدراسات
تؤكد الأرقام الرسمية في العراق، وجود قرابة 5 ملايين عاطل عن العمل في بلد يعوم على النفط. الأسباب متعددة، منها عدم وجود مصانع ومؤسسات ودوائر تستوعب هذه الأعداد الآخذة في التزايد سنويا، مع تخرّج مئات الآلاف من الشباب من الكليات والمعاهد، فضلاً عن غير المتعلمين.
أزمة البطالة تشكل عبئاً اقتصادياً على الدولة من جهة، وتراجعا في المستوى المعيشي وارتفاع في معدلات الفقر من جهة أخرى. ورغم هذا الرقم الكبير الذي يعرقل النمو الاقتصادي، بحسب خبراء، إلا أن التوقعات المحلية تشير إلى أن العدد الفعلي للعاطلين على العمل يصل إلى حوالي 10 ملايين عراقي.
وذكر المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، في آخر تعليقاته الصحافية أن “نسب البطالة في العراق بموجب آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع منظمة العمل الدولية وصلت إلى 16.5 في المائة بين السكان من عمر 18 إلى 63 سنة النشطين اقتصادياً، بما يوازي 5 ملايين عاطل عن العمل”، مبينا أن “هذه النسبة تشمل الذين هم داخل القوى العاملة الذين يبحثون عن عمل والقادرين عليه، أما الشريحة الأخرى فهي خارج القوى العاملة مثل ربات البيوت وطلبة الجامعات”.
وأضاف الهنداوي، أن “استئناف العمل في المشاريع المتوقفة من شأنه أن يوفر فرصاً جيدة للعاطلين عن العمل، إضافة إلى المشاريع المستمرة ومشاريع القطاع الخاص والمشاريع الجديدة”.
في السياق، شرح مسؤول في وزارة التخطيط، آلية احتساب أعداد العاطلين عن العمل، بأنها “تكون عبر احتساب نسب الخريجين الذين لم يحصلوا على فرصة توظيف، بالإضافة إلى المتقدمين بطلب منح الرعاية الاجتماعية، وهي في العادة لا تُظهر أي نتائج حقيقية، لأن هناك ملايين العراقيين ممن لا يكملون دراستهم الجامعية، وآخرين لا يتقدمون على طلب منح الرعاية الاجتماعية، بالتالي فإن الأرقام الحكومية الخاصة بالبطالة ليست دقيقة أبداً”.
هبوط الدينار يبعد العراقيين عن الادخار في البنوك
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “هذه الأعداد الكبيرة والمليونية من العاطلين عن العمل، تكلف الدولة خسائر كبيرة بوجودهم خارج سوق العمل أو السلك الوظيفي، كما أنهم أكثر الشرائح عرضة لمخاطر المشاكل الاجتماعية، ناهيك عن أن هذه الشريحة تدفع السلطات إلى مزيد من الاقتراض الحكومي، بالنظر إلى حدوث انخفاض في الإيرادات الضريبية، لقلة عدد الأشخاص الذين يدفعون الضرائب، مع انخفاض القوة الشرائية والتأثير على الاقتصاد بشكل عام”.
من جهته، أشار عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، إلى أن “البطالة تعزز الجمود في النمو الاقتصادي، وهذا يوقع العراق في خسائر كبيرة في مجالات تنمية بكل أشكالها وأنواعها”، معتبرا، أن “الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 فشلت في احتواء الشباب والشابات من الخريجين، وتوفير فرص العمل لغير المتعلمين، ما جعلهم عرضة لمخاطر الفقر والجريمة، مع العلم أن الفرص كانت موجودة لاستقدام الشركات الاستثمارية الأجنبية لمنح نسبة من فرص العمل للعراقيين”.
وأكمل كوجر، أن “العراق يملك عشرات الآلاف من الورش والمعامل والمصانع في عموم البلاد، لكنها تحتاج للتطوير”، مؤكداً أن “كل مدن العراق تعاني من البطالة، وهناك أشكال متفرقة منها في إقليم كردستان (شمال)، وفي محافظات الفرات الأوسط والجنوب، أما في المدن المحررة فالحال سيئ جداً، بسبب ما تعرضت له هذه المدن من دمار بسبب الحرب على “داعش”، وأن الشباب هناك قادرون على النهوض بمدنهم لكن بحاجة إلى فرص توفرها الحكومة”.
وفي وقت سابق، قال البنك الدولي، إن العراق “يقف في مفترق طرق مع بلوغه نقطة أصبحت فيها الحلول السريعة محدودة، وأن الاقتصاد أضحى بحاجة لتحول جذري إذا كان يُراد له أن يكون قادرا على خلق الوظائف لأعداد الشباب المتزايدة من السكان”، مضيفاً أن “بإمكان العراق أن يحصل على مكاسب مالية إذا تم تنفيذ السياسات الداعمة للنمو في القطاعات غير النفطية جنبا إلى جنب مع معالجة أوجه الجمود في موازنته المالية”.
بدوره، بيَّن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “أعداد الخريجين من الكليات والمعاهد في ارتفاع مستمر، ويصل إلى 170 ألف شاب سنويا، وهؤلاء لا يجدون فرص عمل، وغالبيتهم يحتاجون إلى فرص عمل محترمة، والنزول إلى السوق للمنافسة وصناعة التنمية الاقتصادية، لكن الدولة العراقية بعد الاحتلال الأميركي عطلت القطاعات التي تستقطب هؤلاء الخريجين، وتركتهم في الشوارع بانتظار التعيينات الحكومية فقط، التي باتت هي الأخرى ترهق الدولة بشكلٍ كبير”، موضحاً أن “العراق يمتلك قوة شابة ضخمة، لكن هذه القوة تتحول إلى خاملة ومستهلكة بسبب عدم استغلالها، من جراء الخطط الحكومية التي لا تلبي الحاجة ودون المستوى”.