الممثلة تارانه عليدوستي اعتقلت بسبب ما نشرته عن التظاهرات والقمع في بلادها
#مؤسسة_رؤى_للدراسات_والأبحاث
#بورزو_درغاهي
عبّر مدير المنظمة السينمائية الإيرانية الرسمية محمد خزاعي عن استيائه مما تسببت به الاحتجاجات المناهضة للنظام المستمرة منذ ثلاثة أشهر، وقد اتسمت بأنها حركة سياسية واجتماعية واسعة النطاق، حظيت بدعم بعض كبار النجوم في صناعة السينما بإيران.
أثناء اجتماع للمهتمين بصناعة الأفلام في الـ 16 من ديسمبر (كانون أول) الحالي، صرح المخرج والمنتج خزاعي (46 سنة) “حتى اليوم الذي سأكون فيه هناك، لن يختفي الحجاب من السينما ولن يعرض أي فيلم من دون ظهور الحجاب فيه، فنحن لم كل هذا الشوط الطويل كي نعود بعده لحقبة الستينيات والسبعينيات، إنها سينما الجمهورية الإسلامية في إيران وقد قدمنا دماءنا من أجلها”.
كذلك اشتكى خزاعي من تسبب الاضطرابات في خسارة صناعة الأفلام للوظائف والآفاق، مقترحاً أن يتكبد الممثلون والمخرجون والمنتجون ممن يدعمون تلك الاحتجاجات ثمناً عن مواقفهم تلك، وتذكيراً فقد عُين خزاعي في منصبه بعد فترة وجيزة من تولي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي منصبه عام 2021.
وفي اليوم التالي اعتقلت تارانه عليدوستي، إحدى أبرز نجمات السينما في إيران، وفتشت مقتنياتها الشخصية وسجنت في طهران داخل “سجن إيفن” الشبيه بالقلعة، وتبقى نزيلة زنزاناته. وقد أدت تارانه الشخصية الأساس في فيلم “البائع” The Salesman من إخراج أصغر فرهادي والحائز على جائزة الـ “أوسكار” عام 2016.
وكذلك ذكر مراقبون حسنو الاطلاع على عالم الثقافة الايرانية أن اعتقال الممثلة تارانه عليدوستي يشكل حدثاً جللاً، بل يشبه مثلاً أن يعمد “مكتب التحقيقات الفيدرالي” إلى اعتقال الممثلة أنجلينا جولي أو أن يعتقل مكتب “سكوتلانديارد” الممثلة أوليفيا كولمان بذريعة انتقاد الممثلتين حكومة بلديهما!
وأوردت سبيده موافي، النجمة التلفزيونية الأميركية ذات الأصول الإيرانية، تشبيهات مماثلة، “تخيل لو أن سكارليت جوهانسون وميريل ستريب سجنتا وعُرضت حياتهما للخطر لمجرد اعتراضهما على إعدام متظاهر بريء. إذا زُجّ بممثلة مشهورة من قامة تارانه في السجن من دون اكتراث، فإن المواطنين العاديين سيفترضون أنه سيجري التعامل معهم بوحشية أكبر”. وفي الإطار نفسه صرحت صنم وكيل، الخبيرة بشؤون إيران والشرق الأوسط في “دار تشاهام” بلندن، أن “نظام الحكم الإيراني يريد أن يثبت ألا أحد فوق القانون، وأنهم لن يتراخوا مع أي أحد وسيستمرون في القمع”.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الوطنية التي أطلق شرارتها مقتل مهسا أميني ذات 22 ربيعاً أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، قُتل مئات الإيرانيين واعتقل الآلاف منهم خلال التظاهرات الاحتجاجية.
وفي الأقل، أعدم نظام الحكم اثنين من المتظاهرين بعد جلسات محاكمة قاسية جاءت أدنى حتى من السجل المقيت للجمهورية الإسلامية، وعلى رغم المخاطرة فقد ظهرت دعوات جديدة إلى ثلاثة أيام من الاحتجاجات والإضرابات، ستبدأ يوم الإثنين.
وتحدث عن تلك الأمور عدد من المشاهير والفنانين والرياضيين، وقد تكلم بعضهم بضغط من معجبيهم ومحبيهم، واتخذت الممثلات مواقف تتسم بالتحدي، فظهرن علانية من دون وضع الحجاب على الطريقة الإسلامية، وقد مارسن الاحتجاج عينه عبر ما نشرنه في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أظهر زملاؤهن من الممثلين تأييداً معلناً كبيراً لقضيتهن.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 نشرت تارانه عليدوستي صورة لها على منصة “إنستغرام” ظهرت فيها من دون حجاب وقد حملت لافته كتب عليها “نساء، حياة، حرية”، وهي جملة مستوحاة من شعار باللغة الكردية رافق حركة الاحتجاج التي أشعلتها وفاة مهسا أميني.
وفي المقابل فمن الواضح أنها احتجزت بسبب انتقادها إعدام متظاهر إيراني يافع عقب محاكمة سريعة وسرية واجه فيها اتهامات بأن سلوكياته تناقض شرع الله.
وعقب إعدام محسن شكاري (23 سنة) شنقاً بسبب اتهامه بإصابة مسلح مؤيد للنظام بجرح خلال إحدى الاحتجاجات في الثامن ديسمبر الحالي، كتبت الممثلة على وسائل التواصل الاجتماعي “صمتك يعني دعمك للظالم والقمع”.
وأضافت باللغة الإنجليزية، “كل منظمة دولية تراقب حوادث إراقة الدماء ولا تتخذ أي إجراء، تكون وصمة عار على الإنسانية”.
وقد وجهت إلى الممثلة تارانه عليدوستي (38 سنة) تهمة “نشر الأكاذيب” على منصات التواصل الاجتماعي، وتفاخرت المنافذ الإعلامية الموالية للنظام بنبأ اعتقال عليدوستي.
تعد تارانه من عمالقة التمثيل على الشاشة الإيرانية، وقد حازت عدداً من الجوائز الدولية والعالمية، وجاء أول ظهور عالمي ومحلي لها العام 2002 حينما كانت في الـ 17 من عمرها، وآنذاك نهضت بالدور الرئيس في فيلم “أنا تارانه 15” I’m Tranah, 15 الذي يتناول حياة فتاة مراهقة مُطلقة قررت أن تحمل على كتفيها مسؤولية تربية طفل.
في سياق متصل، ذكر المُحسن وصانع الأفلام أحمد كياروستامي، “لا يوجد نموذج مشابه لتارانه عند الغرب، ثمة ممثلات نسويات كثيرات من أمثال إيما واتسون أو ناشطات مثل الممثلة أنجلينا جولي، ولا أنكر إعجابي بهن لكنهن لا يتعرضن للخطر حينما يعبرن عن آرائهن.
إن أسوأ ما يمكن أن يحصل لهن قد يتمثل في هجائهن من قبل جزء من جمهورهن وتقلص عدد الأعمال الفنية التي قد تعرض عليهن، وفي المقابل فإن ما يحدث مع تارانه يتجاوز كثيراً خسارتها جزءاً من العمل. إن نزعها حجابها يعني أنه لن يسمح لها بالتمثيل، وهناك إمكان لأن تتعرض عواقب وخيمة مثل السجن، بل ربما أشد من ذلك”.
ويعرف أحمد بأنه أميركي من أصول إيرانية، ووالده هو عباس کیاروستامي الذي يعد من أشهر المخرجين في إيران.
وفي سياق مواز وُجهت رسالة مفتوحة تطلب تحرير تارانه، ووقعتها مجموعة من المشاهير على غرار إيما تومسون وإيان ماكيلين ومارك رايلانس ومارك رافالو وديفيد هير وسبيده موافي، وجاء في تلك الرسالة “أن السلطات الإيرانية اتبعت مقاربة استراتيجية حينما اعتقلت تارانه قبل عيد الميلاد كي تضمن انشغال زملائها في الوسط الفني. لم يتشتت انتباهنا. إننا غاضبون. إن تارانه عليدوستي على غرار كل مواطن إيراني لديها الحق في حرية التعبير عن الرأي وحرية تكوين الجمعيات وحرية عدم التعرض إلى الاعتقال والاحتجاز التعسفيين. إننا نقف متضامنين معها ونطالب بإطلاق سراحها فوراً مع عودتها لعائلتها سالمة”.
ويوم الأحد الماضي اعتقل مسؤولو النظام أمير مقاره، وهو المغني الرئيس في فرقة “ماكان” بسبب ما نشره عبر صفحته على “إنستغرام” من دعم للانتفاضة الوطنية الواسعة، وكذلك اعتقل لفترة وجيزة خلال الشهر الماضي لاعب القدم المشهور وریا غفوري بسبب إظهاره التعاطف مع المحتجين عبر زيارته أُسر من قتلوا خلال التظاهرات.
وتحتل صناعة الأفلام مساحة متفردة في الثقافة الإيرانية، ولعقود طويلة صنعت السينما الإيرانية لنفسها اسماً عبر اقتباسات حادة من الحياة اليومية مملؤة بالنقد الخفي للقمع والظلم.
وحتى قبل الانتفاضة الأخيرة أبدى النظام الإيراني حساسية متأصلة حيال مظاهر التحدي التي صدرت من مشاهير في الحقل الفني، خصوصاً السينما.
وفي فصل الصيف السابق احتجز ثلاثة من مشاهير صناعة الأفلام هم محمد رسولاف ومصطفى آل أحمد وجعفر بناهي، وقد عرفوا بدخولهم وخروجهم المتكرر للسجن منذ احتجاجات العام 2009.
وفي المقابل هرب آخرون من أمثال محمد مخملباف إلى المنفى، وكذلك اعتقلت الممثلتان هينجاميه جازياني وکتایون ریاحی، ثم أطلق سراحهما بكفالة قبل حادثة تارانه.
وتتناول تلك المعطيات الأستاذ المهتم بدراسات الشرق الأوسط المتخصص بإيران في “جامعة دنفر” نادر الهاشمي، فأشار إلى أن ” المشاهير لهم تأثيرهم، وحينما يعبرون عن شيء على المستوى السياسي يغدو بإمكانهم أن يحشدوا المواطنين ويوحدوا صفوفهم”.
وأضاف نادر الهاشمي أن صراحة المشاهير قد تجذب المعادين للنظام لكنها تبقيهم صامتين في الوقت الراهن.
وكذلك أعرب عن قناعته بأن “الغضب والاستياء أصبحا واسعي النطاق ومتأصلين في الأعماق، وحتى الآن لم يتجل هذا الغصب في الشوارع، ولا يزال عدد من الأشخاص جالسين على السياج”.
إن ما تخشى الجمهورية الإسلامية أن يحدث بأثر من مشاركة المشاهير يتمثل في تزايد عدد المتظاهرين فينتقل من الآلاف ليصل إلى الملايين، وقد أجبرهم ذلك على محاولة إبقاء تارانه صامتة مع غيرها من المشاهير المؤثرين”.
وإذا قصد من الاعتقالات أن تصمت المشاهير الإيرانيين فقد يكون لذلك الأمر رد فعل عكسي، وقد حدث ذلك مع اعتقال تارانه حين التقت مجموعة من صُناع السينما أمام “سجن إيفين” دعماً لها. وضمّت صفوف المشاركين في ذلك التحرك المخرجة رخشان بني اعتماد،
وفي ذلك اليوم نفسه نشرت الممثلة نيكي كريمي تدوينة شديدة اللهجة على منصات التواصل الاجتماعي، ويسود اتفاق على أنها أشهر ممثلات إيران في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية، إضافة إلى كونها مخرجة مهمة.
وذكرت الممثلة صاحبة الـ 51 سنة أنها استقبلت مكالمة من متصل مجهول الهوية يطالبها بالتزام الصمت، وأوضحت أنها لن تبقى صامتة بعد الآن.
وفي تلك التدوينة كتبت نيكي “ألغيت جميع أعمالي وعقودي سواء كانت لغرض التمثيل أو الإنتاج، وخلال هذه الأشهر الماضية المملؤة بالاختناق والرهبة أشعر كأنما صرخاتي قد أقفلت حنجرتي، وتتخذ أحلامي جميعها شكل الكره والدموع والحيرة”.