#مؤسسة_رؤى_للدراسات
تثير وسائل التواصل الاجتماعي غيرة بعض الأمهات، ولا سيما عند عقد مقارنة غير واقعية بين الأم الملتزمة بنشر صور أطفالها المرتبين والأم التقليدية التي تعاني من الفوضى والإرهاق والبكاء المستمر.
تشتد حدة المقارنة مع بداية العام الدراسي، فتختلف مواعيد بدء الدراسة بين المدارس العامة والخاصة، وبالتالي يختلف موعد نشر الأم صورة “أول يوم مدرسة” حسب طبقتها الاجتماعية، وما تنطوي عليه تلك الصورة من مصروفات وزي مدرسي وطفل مبتسم، في مقابل طفل رفض الاستيقاظ مبكرا، وآخر بكى وأفسد مظهره.
كيف تؤذيك المقارنة؟
اختبر باحثون في جامعتي “نبراسكا لينكولن” و”ميسوري كولومبيا” في عام 2022 حالة أمهات جدد عند عرض صور مثالية لأم وأطفالها، ورصدوا شعور الأمهات بالحقد والقلق والاكتئاب العام وعقدوا مقارنات خسرن فيها لصالح صاحبات الصور المثالية.
كذلك أكد باحثون من جامعة كوبنهاغن في عام 2022 أن المقارنة بين الأمهات لا تتوقف عند المستوى الاجتماعي، ولا تنجو المرأة الأرستقراطية من آثارها السلبية، فنشر الباحثون استبيانا عاما لجمهور إنستغرام، ورصدوا أوجها كثيرة للغيرة بين الأمهات، مثل الغيرة من المستوى المهني للأم، والغيرة من صحة أبنائها، والغيرة من عنايتها بنفسها، والغيرة من قدرتها على الاهتمام بأطفالها.
وبخلاف تراجع تقدير الذات يضيف سعي الأم لاتباع معايير الأمومة المثالية ضغطا كبيرا عليها ويصيبها بأعراض ظاهرة “الخوف من تفويت الفرصة” التي يقلق معها الإنسان من عدم تلبيته معايير فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها معايير مثالية، دون تقدير لاختلاف قدرات البشر ومواردهم.
ونشرت المجلة الدولية للصحة العقلية والإدمان في العام الماضي نتائج دراسة أثبتت وجود علاقة إيجابية بين ظاهرة “الخوف من تفويت الفرصة” والشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب.
كما قد تصيب مقارنة الأم نفسها ببقية الأمهات أيضا بالذنب إذا فشلت في الامتثال للقواعد المثالية كل يوم، لذلك عرّفت عيادات كليفلاند مصطلح “ذنب الأم” بمشاعر الذنب التي تصيبها عندما تفشل في الوصول لتوقعاتها أو توقعات الآخرين في دورها الأمومي.
وأوضح تقرير “كليفلاند” أثر الذنب على الأم، فتظهر علامات التوتر العقلية والجسدية، ويفرز جسد المرأة هرمون الأدرينالين وهرمونات التوتر الأخرى التي تحفز جسمها لدخول حالة من الاستعداد للقتال أو الهروب كأنما تواجه أسدا في غابة، لذلك فإن عيش الأم في حالة توتر دائمة في استجابة للضغط يحرم جسدها من الراحة ويمنع عقلها من تقدير لحظات السعادة ولا يمنح جهازها العصبي الراحة التي يحتاجها.
كيف ترضين عن تجربتك؟
تذكري أنك لن تعرفي القصة الكاملة أبدا، لكن تيقني أن ما ننشره على وسائل التواصل الاجتماعي أو ما نختار مشاركته مع الآخرين لا يمثل يوما كاملا في حياة إنسان.
يتعلق الأمر كله بإدراكك للواقع من دون حاجتك للتلصص على حياة الأخريات، وكلما تجنبت مقارنة حياتك بحياة الأخريات اتضحت توقعاتك لحياتك ومستقبل أطفالك.
ونشر باحثون من جامعة بورنموث البريطانية وجامعة حمد بن خليفة في الدوحة في عام 2020 نصائح لمواجهة الخوف من التقصير، وأولاها تعزيز ثقتك بنفسك من خلال تغيير خطابك لذاتك، مثل قولك “لا تقاس أخلاق أولادي بعدد المعجبين بصورهم” أو “لا يقاس حبي لأولادي بارتدائهم ملابس جديدة في كل صورة”، ثم ذكري نفسك بمعنى الأمومة الجيدة في رأيك.
من الصعب جدا التفكير في تخصيص وقت لنفسك عندما يحتاج أولادك وجودك، لكن إذا كان بإمكانك تبرير رعايتك لذاتك بتحسين رعايتك لأسرتك فقد خلقت دافعا لنفسك.
يمكنك تحديد 10 دقائق لفعل نشاط خاص بك، مثل الاستحمام في الحوض أو الاتصال بصديقة أو التنزه حول البيت أو قراءة كتاب، وقد تساعد ممارسة التأمل بانتظام في تدريب جسمك وعقلك على الانفصال عن وضع القتال أو الهروب في لحظات التوتر والغيرة.
وتطبيق تقنية التنفس بخمسة أصابع قد يساهم في تهدئة أفكارك، ولتطبيق التقنية افتحي قبضتيك وابدئي بإصبع الإبهام، المسي بخنصرك إصبع الإبهام بيدك اليمنى أثناء الشهيق، ثم المسي إبهامك الأيسر عند الزفير، استمري بكل إصبع من أصابعك وما يقابله في اليد اليسرى، وعندما تصلين إلى الخنصر اعكسي الاتجاهات واستمري حتى تصلي إلى إبهامك.
وإذا شعرت بأن هناك ما ينقصك فقيّمي مدى أهميته بالنسبة لك، وضعي في الاعتبار مدى توافق ذلك الهدف مع رؤيتك للأمومة واحتياجات أطفالك وموارد أسرتك.
إذا غلبتك مشاعر الغيرة فإن الحل في تقليل مقدار الوقت الذي تقضينه على وسائل التواصل الاجتماعي، وغيّري نوعية المحتوى الذي تتابعينه، كأن تلغي متابعتك أمهات مهووسات بنشر صور تثير غيرتك، وتابعي أمهات يقدمن محتوى واقعيا.