#مؤسسة_رؤى_للدراسات_والأبحاث
قبل أيام طرحت دار نشر فلاتيرون كتابا مثيرا يلقي الضوء على خطط ألمانيا النازية لاغتيال “الثلاثة الكبار”، وهم قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا، معا أثناء اجتماعهم بطهران في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1943.
عنوان الكتاب “المؤامرة النازية.. المؤامرة السرية لقتل روزفلت وستالين وتشرشل”، وشارك في كتابته كل براد ميلتزر، جوش مينش، وهما كاتبان لهما تاريخ طويل في الكتابة والعمل الإعلامي والتأريخ، ووصل الكتاب لقمة لائحة نيويورك تايمز لأعلى مبيعات الكتب على الرغم من طرحه في الأسواق منذ 10 يناير/كانون الثاني الجاري فقط.
خطة القفزة الطويلة
على مدار 400 صفحة يعرض الكاتبان لعملية القفزة الطويلة، حيث كان من المفترض تنفيذ الخطة، (عملية Rösselsprung باللغة الألمانية) خلال مؤتمر طهران، عندما التقى الثلاثة سرا بإيران في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1943 لمناقشة تفاصيل الحرب. وخططت ألمانيا لاغتيال جوزيف ستالين وونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت، قادة الحلفاء في وقت واحد، في مؤتمر طهران عام 1943 خلال الحرب العالمية الثانية.
وتم اختيار موقع الاجتماع بشكل أساسي لمزاياه الإستراتيجية، حيث كانت إيران في ذلك الوقت محتلة من قبل كل من السوفيات وبريطانيا.
يتعرض الكتاب إلى مشاكل إقامة المؤتمر، وخاصة إصرار ستالين على عقده في طهران، على الرغم من إدراك القادة الثلاثة لوجود شبكة من الجواسيس والمتعاطفين مع النازية في المدينة.
ووفقا لمصادر سوفياتية، اكتشفت الاستخبارات العسكرية الألمانية شفرة ورمز اتصالات البحرية الأميركية، وعلمت بخطط عقد اجتماع قمة ثلاثي يعقد بطهران في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1943.
وبناء على هذه المعلومات، وافق الزعيم النازي أدولف هتلر على مخطط لقتل قادة الحلفاء الثلاثة، وتم تشكيل فريق مع عدد من العملاء والضباط الألمان من برلين وأنقرة وطهران، للتنسيق والتخطيط لكيفية تنفيذ عملية الاغتيال الثلاثية.
وخططت ألمانيا لإرسال فرقة من الكوماندوز إلى السفارة السوفياتية، حيث كانت تعقد الاجتماعات، عبر شبكة أنفاق تحت الأرض.
وكشفت جهاز استخباراتي سوفياتي خطط وتفاصيل المؤامرة قبل أيام من موعدها، وهو ما سمح بإفشالها وعدم حدوثها.
وامتدت قمة طهران على مدار 4 أيام بين 28 نوفمبر/تشرين الثاني و1 ديسمبر/كانون الأول 1943، حيث نسق القادة الثلاثة إستراتيجيتهم العسكرية ضد ألمانيا واليابان واتخذوا عددا من القرارات المهمة المتعلقة بحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وجاء في الكتاب أن “لا أحد ينكر مدى هشاشة التحالف بين الدول التي اتحدت لمحاربة ألمانيا النازية. لقد اختلف الاتحاد السوفياتي كثيرا عن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، ومع ذلك فإن المجهود الحربي لهزيمة ألمانيا النازية اعتمد على حتمية عمل تلك الدول معا”.
لهذا السبب عندما وافق فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل وجوزيف ستالين على الاجتماع شخصيا لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1943 -أي في منتصف الحرب- رأى القادة النازيون فرصة نادرة لتدمير التحالف بأكثر الطرق الدراماتيكية الممكنة.
تشكيك غربي
ووفقا لجهاز (NKVD) الاستخباري السوفياتي، تم إجهاض المهمة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 1943، وتلقت برلين رسالة مشفرة من عميل داخل طهران يشير إلى اكتشاف الخطة والقبض على العديد من العملاء الألمان.
وعندما أبلغ ستالين تشرشل وروزفلت بالخطة، شكك بعض الأعضاء داخل الوفدين الأميركي والبريطاني في وجود مؤامرة الاغتيال، لأن جميع الأدلة على وجودها كان مصدرها الاستخبارات السوفياتية فقط.
ودار سجال تاريخي حول صحة الفرضية السوفياتية، وأثار المتشككون 3 حجج في هذا الصدد:
الأولى: أنه تم تدمير شبكة التجسس الألمانية بإيران في منتصف عام 1943، قبل وقت طويل من اختيار طهران كمكان للاجتماع.
الثانية: قام أكثر من 3 آلاف من قوات الأمن السوفياتية بتأمين وحراسة المدينة ومقر الاجتماع طوال مدة المؤتمر دون وقوع أي حوادث.
الثالثة: ترجل كل من روزفلت وتشرشل سيرا على الأقدام، وتجولا في سيارات جيب مفتوحة طوال فترة إقامتهما التي استمرت 4 أيام في طهران، دون وقع أي حوادث.
وفي مؤتمر صحفي بعد قمة طهران، قال الرئيس روزفلت للصحفيين “في مكان مثل طهران هناك مئات الجواسيس الألمان، على الأرجح، في كل مكان” وأضاف “أنا لن أدخل في التفاصيل”.
ويؤمن الكاتبان أن التشكيك الغربي يرجع إلى عدم رغبة واشنطن ولندن في دعم ما يمكن أن يُنظر إليه كانتصار ودعاية جيدة للاتحاد السوفياتي آنذاك.
ويؤكد الكتاب أهمية شخصنة بعض فصول التاريخ، ويستشهد بأن الحرب العالمية الأولى بدأت باغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند -ولي عهد الإمبراطورية المجرية النمساوية- وزوجته الأرشيدوقة صوفي بسراييفو في 28 يونيو/تموز عام 1914.
ويرى الكتاب أن مؤامرة الاغتيال النازية كانت محاولة لتغيير تفاعلات الحرب العالمية الثانية حيث إن النتيجة لا تقتصر على مجرد غياب بعض الزعماء الأقوياء، بل إن القضاء على القادة يمكن أن يلقي ببلد ما في أزمة. وكما هو الحال في مؤتمر طهران، يمكن أن يغير سياسة تحالف الحلفاء المتعارضة ضد ألمانيا خاصة مع عدم توافر الكثير من الثقة بين الزعماء الثلاثة.