#مؤسسة_رؤى_للدراسات
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خصص الكونغرس 447 مليون دولار للبحث ولتطوير تكنولوجيا إزالة الكربون على نطاق واسع. في الوقت ذاته تهدف إدارة الرئيس جو بايدن للوصول إلى اقتصاد خال من الانبعاثات الحرارية بحلول عام 2050.
وضاعفت إدارة بايدن من الاستثمارات الفدرالية والحوافز الضريبية للشركات الساعية لتطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون.
ولدرء آثار تغير المناخ الشديدة التي يمكن أن تشرد ملايين الأشخاص، تظهر البيانات العلمية أن انبعاثات الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون) يجب أن تنخفض بسرعة.
ويجب أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030 ثم إلى صافي الصفر بحلول منتصف القرن، من أجل الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية.
من هنا ووفقا لاتفاقية باريس للمناخ، يجب إزالة مئات أو آلاف المليارات من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي مع حلول النصف الثاني من القرن، وفق مراقبين.
ويقذف البشر أكثر من 44 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل عام، ولا يمتص المحيط الحيوي للأرض بطرق طبيعية سوى نصف ما يلقيه في الغلاف الجوي كل عام.
البحث عن حلول اصطناعية لامتصاص الكربون
حاليا، يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون بطرق طبيعية من خلال عملية التمثيل الضوئي الذي تقوم به غابات الكوكب والأراضي العشبية والتربة والأراضي الرطبة.
والوسيلة الوحيدة لزيادة هذا الجهد هي زراعة المزيد من الأشجار وإنشاء الغابات، وهي خيار لا يخلو تماما من العيوب، إذ إنها تستغرق عدة أعوام أو عقود حتى يكتمل نموها. كما أنه يمكن للأشجار أن تحترق في حرائق الغابات أو يتم إزالتها وقطعها عن طريق البشر إما لاستخدام خشبها أو بدعوى إقامة مشروعات تنمية عمرانية.
وقد تم تطوير بعض الحلول الاصطناعية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل استخدام الطاقة المتجددة، وهي منتشرة بالفعل وفعالة من حيث التكلفة، إلا أن تأثير ذلك في معالجة الانبعاثات تبقى محدودة.
ولكن كل ما سبق لم يكن كافيا لمنع درجة الحرارة من الارتفاع، فأصبحت الحاجة ماسة إما إلى منع ثاني أكسيد الكربون من الدخول إلى النظام، أو إزالة وامتصاص ما هو موجود بالفعل.
وتساهم بعض أكبر الشركات في العالم، بما في ذلك فيسبوك وغوغل، بإنفاق ما يقرب من مليار دولار على إستراتيجية جديدة لتغير المناخ بامتصاص الكربون.
وفي أحدث تقييم دولي للمناخ، وجد العلماء أن استخدام تكنولوجيا “إزالة ثاني أكسيد الكربون”، سيكون أمرا لا مفر منه إذا كانت البلدان ستفي بتعهداتها للحفاظ على متوسط درجات الحرارة العالمية من الارتفاع إلى مستويات ضارة باستمرار.
وبينما لا تزال تكنولوجيا امتصاص الكربون في مهدها فإنه يمكن أن يكون لبعض تلك التقنيات تأثيرات كبيرة على الأرض.
تحرك بطيء ومحدود لامتصاص الكربون
من ناحية أخرى، تحرك العلم ببطء شديد على مدى السنوات الـ40 الماضية لكبح جماح الغازات الدفيئة لدرجة أن العلماء يجدون الآن أن خفض استخدام الوقود الأحفوري وحده قد لا يكون كافيا لدرء أسوأ آثار تغير المناخ.
ويرى بعض العلماء أن ما يشهده العالم من موجات حر وفيضانات وعواصف مدمرة على نحو متزايد، يعني أن غازات الاحتباس الحراري قد تحتاج أيضا إلى سحبها من الغلاف الجوي.
وأشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) إلى أن هناك حراكا كبيرا، وإن كان لا يزال بطيئا، في عدة شركات تتخصص في سحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء الطلق وتخزنه تحت الأرض.
وأضافت الصحيفة أن شركة “كلايمووركس إيه جي” (Climeworks AG) الرائدة في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي تمكنت من القيام بذلك باستخدام آلية تعرف باسم الامتصاص المباشر للهواء.
وتهدف هذه العملية ببساطة إلى امتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تراكمت بالفعل في الغلاف الجوي. بعد ذلك، يتم حبس هذه الانبعاثات في نوع من التخزين الدائم، بشكل عام في التكوينات الجيولوجية تحت الأرض، حتى لا تتسرب وتسبب المزيد من الاحترار.
وذكرت الصحيفة أن الشركة تستخدم أجهزة تقوم بشفط الهواء وتصفيته ودفن ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، وهو ما يمكن أن يساعد في التخفيف من الأضرار البيئية التي تسببها الأنشطة البشرية.
وتعد تكلفة هذه التكنولوجيا باهظة الثمن وتتطلب الكثير من الطاقة. ويظهر أحد التحليلات أن التقاط طن من الكربون بهذه الطريقة يستهلك ما يقرب من الطاقة مثل حرق 100 غالون من البنزين، الذي ينتج طنا من الكربون. وإذا كانت الطاقة المستخدمة غير متجددة، فستضيف المزيد من غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي.
ما معوقات إزالة الكربون؟
ارتفاع التكلفة يلوح في الأفق كمعوق كبير لالتقاط الكربون، وقد حددت إدارة بايدن مؤخرا هدفا يتمثل في إزالة الكربون إلى أقل من 100 دولار للطن المتري في غضون عقد من الزمان.
في الوقت الحالي، يمكن أن يكلف التقاط الكربون مباشرة من الهواء 6 أو 7 أضعاف ذلك.
كما يشعر بعض نشطاء المناخ بالقلق من أن التركيز على التقنيات غير المثبتة الآن سيثني حكومات العالم عن خفض استخدام الوقود الأحفوري بسرعة.
ويقولون إن شركات النفط والغاز تطرح قضية أن الوقود الأحفوري يمكن أن يستمر في العمل باستخدام تقنيات إزالة الكربون، رغم أن ذلك سوف يستغرق على الأرجح عقودا أو أكثر حتى يتم تأسيسه.
وسحب ثاني أكسيد الكربون ليس سوى نصف التحدي. بعد ذلك، تحتاج إلى تخزينه بأمان وبشكل دائم.
وللقيام بذلك، دخلت “كلايمووركس” في شراكة مع شركة “كاربفيكس” (Carbfix) الآيسلندية، التي طورت تقنية لإذابة ثاني أكسيد الكربون في الماء وضخه تحت الأرض في الصخور التي تتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون وتحوله إلى حجر.
وتمتلك “كلايمووركس” الآن 14 منشأة مباشرة لالتقاط الهواء تعمل في جميع أنحاء العالم، وافتتحت مصنع “أوركا” (Orca) في آيسلندا في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي -بجانب تخزين “كاربفيكس” تحت الأرض- سوف يلتقط ويخزن حوالي 4 آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
وتعد هذه نسبة ضئيلة للغاية، لا تمثل إلا حوالي 0.001% من انبعاثات الكربون في المملكة المتحدة فقط، أي أنها بالكاد قطرة في المحيط، لكنها مجرد بداية.