#كيم_سنغوبتا
شكلت مداهمة منزل الملياردير إيغور كولومويسكي آخر تحرك في إطار عملية مكافحة الفساد التي تنفذها حكومة فولوديمير زيلينسكي وتحظى باهتمام إعلامي واسع.
سارع جهاز الأمن الأوكراني “أس بي يو” إلى نشر صور الأوليغارشي البالغ من العمر 59 سنة، وهو يقف مكتوف الأيدي في ثياب الرياضة، ويتابع بذهول تحركات المحققين وهم يفتشون منزله في دنيبرو.
ثم نفذت مداهمة أخرى لمنزل ومكاتب أرسين أفاكوف الذي كان حتى وقت قصير، وزير الداخلية النافذ الذي ترأس قوة الشرطة والحرس الوطني في أوكرانيا.
وفي الوقت نفسه تكررت بعض المزاعم على لسان الحكومة الأوكرانية، أي على لسان زيلينسكي ووزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف وغيرهم بأن موسكو حشدت 500 ألف عنصر وتنوي شن هجوم تزامناً مع الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في 24 فبراير (شباط).
وقعت كل هذه الأحداث فيما اختتم الأسبوع بانعقاد اجتماع بالغ الأهمية بين مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وحكومة زيلينسكي، ناقشوا خلاله موضوع تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وعقد اجتماع القمة الذي حضرته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في كييف. وهو أول اجتماع من نوعه يعقد في منطقة نزاع، واستقطب بالتالي تغطية صحافية واسعة.
لكن من غير المرجح أبداً أن تحقق أوكرانيا هدفها بدخول الاتحاد بسرعة. “لم يفرض إطار زمني صارم، إنما يجب تحقيق بعض الأهداف”، كما قالت فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي رداً على سؤالها عن عملية انضمام أوكرانيا، لكن في المقابل، ازداد التعبير عن التضامن، مع مضاعفة عدد القوات الأوكرانية التي من المزمع تلقيها تدريباً عسكرياً إلى 30 ألف عنصر، وتخصيص 25 مليون يورو (22.4 مليون جنيه استرليني) لإزالة الألغام من المناطق المحررة، إضافة إلى احتمال الإعلان عن فرض عقوبات جديدة على روسيا.
ويتزامن التحذير من حشد القوات الروسية كذلك مع مناشدة الحكومة الأوكرانية حلفاءها أن يسرعوا بإمدادها بالدبابات التي تعهدوا إعطاءها إياها، بما فيها الدبابات من طراز “ليوبارد” و”أبرامز” و”تشالنجر”. وبعد أن حصلت البلاد على وعود بإمدادها بالسلاح، تنهمك الآن بممارسة الضغط للحصول على طائرات حربية أميركية من طراز “أف 16”. في أعقاب هجوم صاروخي روسي وقع يوم الخميس، عشية انعقاد القمة، كتب زيلينسكي على منصات التواصل الاجتماعي، “إن الطريقة الوحيدة لوقف الإرهاب الروسي هي هزيمته باستخدام الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ بعيدة المدى”.
حرب أوكرانيا أعادت العسكرة إلى البحر المتوسط
ربما تحاول روسيا فعلاً أن تقوم بتحركات في فترة الذكرى الأولى للحرب، لكن الاستخبارات ومسؤولي الدفاع في الغرب إضافة إلى القادة العسكريين الأوكرانيين يؤكدون في السر أنهم لم يروا أي إثبات على أن الكرملين في وضع يسمح له بشن هجوم كبير.
لكن من الأرجح أن تواصل روسيا عملياتها في دونباس، شرق أوكرانيا، حيث حققت انتصارات تدريجية، وقد تزداد الضربات الصاروخية، إذ وردت تقارير بأن موسكو رفعت إنتاج الأسلحة وتؤمن القطع المطلوبة من الخارج.
وهناك أسباب تستدعي اعتبار الاتحاد الأوروبي أوكرانيا حالة خاصة في موضوع طلب العضوية. ربما كانت بروكسل قادرة على منع وقوع هذه الأحداث في البلاد لو تحلت بمرونة أكبر في الماضي.
واعتقدت أوكرانيا أنها في الطريق نحو اندماج أكبر عندما طرحت بروكسل وصندوق النقد الدولي شروطاً يقر عديد من المسؤولين الغربيين الآن بأنها كانت صارمة للغاية. وهذا ما دفع الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان موالياً لموسكو في الأساس، إلى الالتجاء لفلاديمير بوتين طلباً للإنقاذ الاقتصادي الذي منح له بشكل استثمار بقدر 15 مليار دولار في دين أوكرانيا القومي وتخفيض لأسعار الغاز بنسبة الثلث.
وولدت عرقلة الطريق إلى الغرب حالة من الاضطراب. أتذكر أنني كنت برفقة زملاء لي في مؤتمر عقد في يالطا، في شبه جزيرة القرم، في عام 2013 حين كانت البهجة سيدة الأجواء إزاء احتمال توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. عدنا بعدها بعدة أشهر إلى أوكرانيا لتغطية أحداث انتفاضة الميدان في كييف. وضاعت شبه جزيرة القرم بعد استيلاء الروس عليها في الصراع العنيف الذي تبع ذلك.
إحدى المشكلات التي ما زالت تلاحق أوكرانيا في سياق تعاملاتها مع المؤسسات الدولية بشكل خاص هي الفساد. ربط صندوق النقد الدولي في السابق موافقته على منح القروض لكييف بشرط اتخاذ الحكومة الأوكرانية خطوات من أجل معالجة الممارسات السيئة. وتعتبر الإصلاحات الرامية لمكافحة الفساد إحدى المطالبات الأساسية التي طرحها الاتحاد الأوروبي.
لكن موجة طرد واستقالة الوزراء الأخيرة، كما المداهمات التي يجريها المحققون، لن تساعد أوكرانيا في تحقيق رغبتها بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في غضون سنتين، وهي فترة زمنية يعترف رئيس وزراء البلاد، دنيس شميهال، بأنها “هدف طموح”.
منحت أوكرانيا صفة الترشيح بسرعة قياسية العام الماضي، وهو حدث احتفل به زيلينسكي، باعتباره لحظة فريدة وتاريخية، لكن في بروكسل معارضة قوية لتحويل هذا الترشيح إلى عضوية كاملة في فترة قياسية، بينما ما زالت دول عديدة أخرى منها صربيا وألبانيا ومونتينيغرو وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر، تنتظر.
إن ملاحقة الأوليغارشيين وكبار السياسيين من قبل السلطات الأوكرانية دليل على إصرار زيلينسكي في استعداده للسعي وراء تحقيق الأهداف التي وضعتها حكومته للبلاد.
ليس كولومويسكي مجرد أوليغارشي مثل غيره: فوسائل الإعلام التي يملكها هي التي أمنت تغطية واسعة ودعماً لوجيستياً خلال حملة زيلينسكي الانتخابية الناجحة. ومحامي زيلينسكي كان محامي الأوليغارشي، كما يزعم الصحافيون الأوكرانيون أن زيلينسكي زار كولومويسكي في المنفى نحو 14 مرة.
ومن ناحية أخرى، كولومويسكي هو من مول كتيبة آزوف، القوة الخاصة التي حاربت الانفصاليين المدعومين من الروس في دونباس في 2014. كل من غطى أحداث الحرب، مثلي، رأى الكتيبة في خضم المعركة، وأحياناً في إطار ظروف جدلية للغاية.
لكن عناصرها هم الذين ظلوا في مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية بعد انسحاب الجيش الأوكراني منها. وهي المدينة نفسها التي وقع فيها آلاف مقاتلي آزوف في الأسر العام الماضي في أعقاب حصار طويل فرض عليها بعد الغزو الروسي.
ومن جانبه، لعب أفاكوف كذلك دوراً مهماً في حرب الانفصاليين، إذ شارك الحرس الوطني الواقع تحت إمرته، في القتال. كان شخصية مكروهة في أوساط الميليشيات المدعومة من روسيا. في عام 2014، طلبت روسيا وضع أفاكوف على قائمة المطلوبين للعدالة، بينما أصدرت محكمة في موسكو في العام نفسه مذكرة توقيف غيابية بحقه.
لكن الواقع الاستراتيجي اختلف الآن، وأصبح بالإمكان الاستغناء عن الحرس القديم الملوث والأوليغارشيين فيما يحاول زيلينسكي توطيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والناتو التي تحتاج إليها بلاده في حرب ستستمر طويلاً.