#مؤسسة_رؤى_للدراسات
تشهد الساحة السياسية العراقية منذ مطلع إبريل/نيسان الحالي، توتراً واضحاً بين قوى وأطراف سياسية مختلفة ضمن ائتلاف “إدارة الدولة”، الذي نجم عنه تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سببه مطالبة تحالف “السيادة”، بتنفيذ مطالب واشتراطات تعهد بها “الإطار التنسيقي”، خلال مفاوضات تشكيل حكومة السوداني، مقابل أن يصوّت التحالف على الحكومة.
والشروط التي عُرفت لاحقاً باسم “ورقة المطالب”، توجد نسخة شبيهة لها حصلت عليها القوى السياسية الكردية، لقاء التصويت على حكومة السوداني.
ومع مضي 5 أشهر على الحكومة، قال تحالف “السيادة”، أكبر القوى العربية السنية في العراق، إن على حكومة السوداني المضي بتنفيذ ورقة المطالب كما وعدت، متهماً بعض قوى “الإطار التنسيقي” بإعاقة ذلك.
مطالب القوى السياسية السنية
ومن أبرز مطالب القوى السياسية السنية، التي وعدت بها جمهورها خلال انتخابات 2021، وتطالب بها اليوم حكومة السوداني، وفقاً لاتفاق مسبق مع “الإطار التنسيقي”، تعديل قانون العفو العام، ليشمل إعادة محاكمة من انتُزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، أو أدينوا بوشاية المخبر السري.
كما تطالب بإعادة النازحين، وإنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة، وأبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات، وإخراج “الحشود المسلحة” من مراكز المدن والأحياء السكنية في مدن شمال وغربي العراق، وتعويض أصحاب المنازل المدمرة جراء العمليات العسكرية والإرهابية، والكشف عن مصير المغيبين.
عدم إنصاف المحافظات المحررة
لكن أياً من تلك المطالب لم يتحقق لغاية الآن. وقال نواب وسياسيون عراقيون إن عدم إنصاف حكومة السوداني للمحافظات المحررة في موازنة عام 2023 كان الشرارة التي فجرت الخلافات بالأيام الأخيرة، حيث كان من المنتظر أن تحمل الموازنة، التي عرضها البرلمان للنقاش الأسبوع الماضي، مشاريع إعادة إعمار وتأهيل البنى التحتية والخدمات لتلك المدن.
تراجع الوعود الحكومية بإنهاء ملف النزوح في العراق
وكان زعيم تحالف “السيادة” خميس الخنجر قال، في كلمة له بجامع أم القرى ببغداد في 30 مارس/آذار الماضي: “ثبتنا جميع حقوق أهلنا في ورقة الاتفاق السياسي… لن نتنازل عن إخراج المعتقلين الأبرياء من السجون وحل ملف المختفين قسراً، ولا نريد أن يأتي العيد (الفطر) من دون إقرار قانون العفو العام”.
التصريحات جوبهت بردود فعل حادة من مليشيات مسلحة، أبرزها “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، إلى جانب أعضاء في أحزاب وقوى داخل “الإطار التنسيقي”، رافضة لها، وهو ما اعتبر نكثاً بالوعود التي قطعوها سابقاً لتلك القوى قبل تشكيل الحكومة.
انقسام داخل ائتلاف “إدارة الدولة”
وقال نائب بارز في البرلمان العراقي، إن “ائتلاف إدارة الدولة يشهد انقساماً واضحاً حيال إنفاذ اتفاقات تشكيل الحكومة، والسنة والأكراد يلمسون تنصلاً عن جزء كبير من الوعود”.
ولفت إلى أن “بعض الشخصيات المعتبرة داخل الإطار التنسيقي، نصحت القوى السنية باختصار الجدل والأخذ والرد الحالي، والتواصل مباشرة مع قائد فيلق القدس (الإيراني) إسماعيل قاآني بملف فتح جرف الصخر والعوجة والمناطق الأخرى وإعادة أهلها” إليها.
وكشف أن “السوداني طلب من القوى السياسية السنية، في الاجتماع الأخير الذي عقد معهم في جامع أبو حنيفة (في 3 إبريل/نيسان الحالي) الانتظار وإمهاله، وتجنب التصعيد أو الدخول في مناكفات إعلامية مع الفصائل”.
عضو تحالف “السيادة” حسن الجبوري قال إن دخولهم ائتلاف “إدارة الدولة”، والمشاركة بتشكيل حكومة السوداني ودعمها كان “مشروطاً”. وأوضح أن الشروط “هي العفو العام، وإلغاء (هيئة) المساءلة والعدالة، وإعادة النازحين في جرف الصخر وباقي المناطق، وكذلك إخراج الفصائل من المدن المحررة ونقاط أخرى غيرها”.
وبين الجبوري أنه “حتى الساعة لم يطبق السوداني الشروط المتفق عليها، والتي هي أساس تشكيل حكومته، وما زلنا ننتظر تطبيق فقرات ورقة الاتفاق السياسي، وهناك وعود من قبل السوداني بتلبيتها وفق جدول زمني خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن لدينا مخاوف من تسويف تلك المطالب”.
وأضاف: “نعتقد أن السوداني يريد تنفيذ تلك الفقرات لكونها حقوقا، لكنْ هناك ضغوط عليه من قبل بعض أطراف الإطار التنسيقي لمنع تنفيذها”. وحذر من أن “استمرار تسويف تلك المطالب سيدفع تحالف السيادة إلى اتخاذ موقف سياسي من ائتلاف إدارة الدولة أو حكومة السوداني”.
توقيت تنفيذ الورقة ليس مفتوحاً
بدوره، قال القيادي في تحالف “العزم” إياد الجبوري، إن “التوقيت الزمني لتنفيذ بنود ورقة الاتفاق السياسي ليس مفتوحاً، خصوصاً العفو العام وإعادة النازحين وغيرها من الملفات، التي كانت ضمن أولويات التحالف في مفاوضاته السياسية”.
وبين الجبوري أن “رئيس الوزراء وقوى الإطار التنسيقي وعدت بتطبيق شروطنا، ولا نعتقد أن هناك أي نية لتسويف تلك المطالب، لوجود ضغط من قبلنا لتطبيق تلك البنود”.
وتابع: “التواصل مستمر مع السوداني وقادة الإطار التنسيقي، وهناك نية جادة لتطبيق فقرات ورقة الاتفاق السياسي. فالكل يعرف أن عدم تنفيذ تلك الفقرات، سيدفع إلى اتخاذ مواقف سياسية، ربما تزعزع الاستقرار السياسي، وهذا ما لا يريده السوداني وقادة الإطار التنسيقي”.
لكن الناشط السياسي في محافظة نينوى أحمد الحديدي قال، إن الاشتراطات التي أخذتها القوى السياسية لصالح جمهورها، لم تكن مضمونة، لذا فإن تنفيذها محل شك كبير.
وأضاف الحديدي أن “نفس المطالب كانت موجودة إبان تحالف البناء عام 2018 خلال تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، ولم تنفذ منها شيئا. واليوم نحن أمام سيناريو وشيك آخر ومماثل”. واعتبر أن “ذهاب القوى السياسية السنية إلى إيران للتفاوض على تلك المطالب، سيكون إدانة لقوى الإطار التنسيقي ومحرجاً لهم، لذا قد يستمر التسويف أو تنفيذ بعض المطالب، والسكوت عن أخرى”.
في المقابل، قال النائب عن “الإطار التنسيقي” كريم عليوي، إن “السوداني وقوى الإطار جادون بتطبيق بنود ورقة الاتفاق السياسي. هناك توقيتات زمنية لتنفيذ البنود، كما أن بعض فقرات الورقة تحتاج الى قرارات برلمانية وليس حكومية، خصوصاً المتعلقة بقضية العفو العام وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة”.
وبين عليوي أننا “سنعمل على تشريع قانون للعفو العام، لا يشمل الإرهابيين والفاسدين. ولهذا قانون العفو العام يحتاج الى دراسة جيدة لمنع وجود أي ثغرات فيه قد تسمح بإطلاق سراح إرهابيين أو فاسدين، عليهم أحكام سجن مشددة، والقانون قيد الدراسة من قبل الجهات المختصة الحكومية”.
وقال الخبير بالشأن العراقي ماهر جودة، إن “التزام الإطار التنسيقي بتعهداته في تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية السنية وكذلك الكردية، سيكون مهماً له، خشية فقدان الدعم السياسي والبرلماني لحكومة السوداني، فهذا الأمر سيكون له أثر كبير، خصوصاً في ظل وجود معارضة ومقاطعة لهذه الحكومة من قبل التيار الصدري”.
وأضاف أن “الإطار التنسيقي عمل على إيجاد حلول مع إقليم كردستان من أجل استمرار إرسال الأموال له (مرتبات موظفي الإقليم)، وهو سيعمل على تطبيق شروط القوى السنية المتعلقة بقانون العفو العام وتحويل ملف المساءلة والعدالة القضاء”.
وكانت القوى السنية تبنت في حملاتها الانتخابية الأخيرة، مراجعة ملفات عشرات آلاف المعتقلين، لا سيما ممن أدينوا وفقاً لوشايات “المخبر السري”، أو بانتزاع الاعترافات منهم بالقوة، وهي الفترة المحصورة بين عامي 2006 و2014، خلال تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة.
واستهل السوداني عمله الحكومي بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ثم الذهاب لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة.
ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي، إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، والعمل مع الجهات المختصة للكشف عن مصير المفقودين وشملهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني. كما تضمنت الوعود إلغاء هيئة المساءلة والعدالة، وإصدار عفو عام عن بعض المعتقلين.