فرض الوضع الأمني غير المستقر في المدن والمحافظات العراقية المختلفة، على العائلات العراقية نمطاً معيشياً معيناً سرعان ما انعكس سلباً على الأطفال على وجه التحديد، ويربط الأطباء بين تصاعد المشاكل النفسية للأطفال بالانعزال، وحرص الآباء على إبقاء أطفالهم داخل البيت كأحد الأسباب الرئيسة.
يزيد انعدام الملاعب ومناطق الألعاب للأطفال، في المدن الهشة أمنياً والتي تتصاعد فيها جرائم الخطف والابتزاز، المشكلة أكثر، ويلجأ عادة الأهل إلى الاستعانة بالأجهزة الإلكترونية اللوحية لتعويض وقت أطفالهم، والتخلص من إلحاحهم في الخروج واللعب.
يقول الدكتور وليد السعدي، وهو طبيب مختص بالصحة النفسية للأطفال، إن أرقاما تصاعدية تسجلها البلاد في نسبة الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية تبدأ بالانعزال وطيف التوحد، مروراً بعدم القدرة على المواجهة أو إدارة حوار بسيط، وانتهاء بمسألة الانعزال والعصبية وعدم تعلم المشاركة، وحتى ضعف التركيز والعدوانية.
واعتبر السعدي أن “هاجس الأمن يعد السبب الأول الذي يدفع الأهالي إلى منع اختلاط أطفالهم مع الآخرين من أقرانهم ، خاصة في الحارات والأحياء التي تشهد أو تسجل حوادث إجرامية مع الأطفال، وفئة الإناث أكثر من الذكور بطبيعة الحال”.
واضطرت عائلة الطفل آدم (7 سنوات) لتغيير مكان سكنها، بحثا عن مكان آمن يُمكنهم الاطمئنان عليه في حي من معارفهم وأقربائهم.
يقول والد آدم، إنه اضطر لذلك لضمان عدم تدهور حالته النفسية، حيث أصبح غير قادر على الاستمتاع بألعابه داخل المنزل، ويبحث عن حديقة أو مكان للخروج، ويتعامل مع المنزل وكأنه سجن، “لذلك قررت الانتقال لمنطقة أكثر أمنا وفيها مكان مناسب لخروجه للعلب”.
الباحثة الاجتماعية هدى ناطق، تقول إن على” الأهل السماح لأطفالهم باللعب بحرية وبالطريقة التي يريدونها، دون أي تدخل إلا إذا كان هناك خطر محتمل، إذ يجب أن يحصل الأطفال على وقت كافٍ للعب كل يوم حتى لا يشعروا بالملل أو الإحباط وذلك بتوفير بيئة آمنة لهم”.
وتضيف: “من خلال عملي صادفت العديد من الحالات لأمهات يشتكين من أطفالهن وصراخهم الدائم داخل المنزل أو تمردهم، ومع الاستبيان يتضح أنهن لا يسمحن لهم بالخروج أو أنهم لا يخرجون إلا وقتا قليلا جدا، بسبب خوفهم على أبنائهم من مخاطر خارجية كالخطف أو العدوى من أطفال آخرين، أو الاعتداء، وهو ما يسبب تذمرا واضحا لدى الأطفال بالإضافة إلى تغير في حالتهم النفسية لأنهم بطبيعتهم يميلون إلى اللعب مع أقرانهم بجو يتسم بالحرية حتى وإن تغير نمط الحياة وأصبحت الألعاب الإكترونية شبه بديل للألعاب الحرة خارج المنزل”.