#حسام_الغزالي
قبل أن ابدأ بالحديث عن “#طوفان_الأقصى” والذي يحتل مساحة عاطفية كبيرة وجياشة من قبل غالبية الشعوب العربية والإسلامية، أتمنى أن يُفهم كلامي كوجهة نظر أو فرضية أطرحها من زاوية أخرى بعيداً عن العاطفة، والتي أود وأتمنى أن لا يكون ما أكتبه صحيحاً، وأتمنى أن لا نكون ضمن دائرة مؤامرة جديدة، ولكن علينا أن نضع تواتر هذه الأحداث تحت التحليل الفرضي لنرى هل ما يحدث هو معادلة منطقية لتاريخنا النضالي الهش والهزيل، وتاريخنا الفكري المشتت والمتناقض.
بداية دعونا نرجع للوراء قليلاً ونرى العلاقات العربية الإسرائيلية التي تطورت بصورة سريعة وفعالة خلال العشر سنوات الماضية، ومشاريع التطبيع التي لاقت استحساناً دولياً وقبولاً عربياً لا بأس به، ولنكن واقعيين خاصة بعد أن أطلقت الإمارات العربية مشروع الديانة الإبراهيمية وتوحيد الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، وكلنا يعرف أن فكرة الديانة الإبراهيمية هي من أجل قبول اليهود ثم الاسرائيليين في المجتمعات العربية هذا إذا اتفقنا أنه لا خلاف بين المسلمين والمسيحيين، وقطار التطبيع هذا وصل إلى المملكة العربية السعودية التي تحفظت بداية عن التطبيع ثم بدأت بقبوله أو استساغته في أوساطها السياسية، ولمن لا يعرف الوزن الحقيقي سياسياً واقتصادياً وجغرافياً للمملكة فإنني أقول له إن السعودية اليوم أصبحت من أوائل الدول في القرار الاقتصادي العالمي وخاصة النفط، وكلاً من السعودية واسرائيل ينظران إلى بعضهما البعض وفق مصالح اقتصادية عالية وكبيرة جداً، وبالفعل باستطاعة السعودية اليوم أن تحرك كفة الوزن الاقتصادي العالمي من أوروبا نحو الشرق الأوسط، كما قالها محمد بن سلمان، ولأن الاقتصاد والمصالح هي من تحرك السياسة وليس الشعارت العاطفية الرنانة فإن مصالح السعودية واسرائيل خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة باتت على المحك، خاصة مع دخول الصين وطريق الحرير وغير ذلك، الأمر الذي جعل السعودية ودول الخليج العربي ترى أن إسرائيل دولة ساحلية مهمة وذات أفق اقتصادي واسع وبإمكان أي خطوط تجارية أو نفطية أو غازية أن تغير واقع التجارة العالمي وتغلق المنافذ الاقتصادية أمام الصين وأمام مشاريعها التجارية في المنطقة.
لكن هذا البُعد الاقتصادي وهذه الاستراتيجية تحتاج إلى ممرات آمنة وطرق بحرية لا تتهدد لا اليوم ولا غداً، واسرائيل تواجه مقاومة داخلية من قبل قطاع غزة بين الفينة والأخرى، وغزة موجودة أصلاً على البحر المتوسط.
وعند وضع الأحداث ضمن مسارها الطبيعي خاصة بعد التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة في محافظة الأنبار والحدود السورية العراقية ووصول آلاف الجنود الأمريكيين الجدد إلى العراق والمناطق الحدودية، ثم المظاهرات في السويداء والوضع الأمني المتردي في محافظة درعا والقنيطرة، وصولاً إلى السيناريو الأخير في “طوفان الأقصى” الذي يبدو لي للوهلة الأولى غير منطقي، وذلك للعديد من الأسباب، أبرزها أين هي المضادات العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر متفوقة على الكثير من دول العالم؟، أليس من غير المنطقي أن تتوقف فجأة؟ أين هي مضادات الأفراد الأولية والتي جعلت المقاتلين الفلسطينين يدخلون الأجواء بمظلات آلية؟، حتى أن سلاحاً فردياً قادراً على إيقافهم ورغم ذلك سمحت اسرائيل لهم بكل هذا التوسع، إضافة إلى وجود العديد من حالات الانتهاك الإنساني التي باتت تنتشر وترّوج عبر وسائل التواصل الغربية بصورة لا مثيل لها من قبل.
أين جهاز “الشاباك” الاستخباراتي وجهاز “حداش” الإسرائيلي؟، باختصار هناك الكثير والكثير من الاستفهامات غير المنطقية في “طوفان الأقصى” والتي أتمنى أن لا تكون مرسومة من قبل دول كبرى وإقليمية في المنطقة من أجل إيجاد مبرر عسكري وتغطية ودعم دولي لتغريبة فلسطينية جديدة أو لانتكاسة فلسطينية أخيرة، والتي تتمثل في غطاء دولي موّقع من مجلس الأمن بضرورة تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية في اسرائيل، وبالتالي البدء بحملة عسكرية مضادة ومُبررة من المجتمع الدولي والمجتمع العربي الخليجي لضرب آخر معاقل المقاومة، ثم البدء بعملية تهجير قسري خارج حدود فلسطين والتي ستصبح تسميتها دولة اسرائيل، ولن يبقى فيها سوى الإسرائيليين أو من يدعم اسرائيل.
والسؤال التالي المتمم للسؤال السابق إلى أين ستكون عملية النزوح؟، بالتأكيد لن تكون إلى مصر ولا الأردن ولا سوريا، لا يوجد سوى العراق، وبالتحديد صحراء الأنبار.
والدليل الذي استند إليه، هو أنه وفي عام 2020 أعلن البيت الأبيض عن “صفقة القرن” وكان صهر الرئيس ترامب “جاريد كوشنير” أول من أطلق مصطلح “شرق أوسط خالٍ من التعقيدات”، لتنشر قناة روسيا اليوم، وبنفس اليوم تقريراً كشفت فيه حينها عن وثائق ومخططات أمريكية تسعى لإيجاد وطن بديل لملايين اللاجئين الفلسطينيين في صحراء الأنبار العراقية، خلال الخمس سنوات القادمة.
وإذا ما كان هذا صحيحاً سنكون أمام سيناريو تمثيلي جديد يقدم مسوغاً ومُبرراً دولياً لإسرائيل لتفعل ما تفعله من جرائم إنسانية قادمة إلى قطاع غزة، وإنهاء المقاومة وترحيلها إلى صحراء الأنبار وإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأبد، ودخول مرحلة جديدة من علاقات وتطبيعات مع اسرائيل قاعدتها الأولى هي الاقتصاد والأرباح، فالسياسة اليوم باتت مجرد أداة من أدوات الاقتصاد.
وأخيراً أتمنى أن أكون مخطئاً في فرضيتي هذه وأن ما نراه من بطولات فلسطينية ضد اسرائيل هي بطولات حقيقية وليست مصيدة أشبه ببنود “شيلفن” الألمانية التي كانت عبارة عن سيناريوهات لإيجاد مبررات لحروب مضادة أكثر دموية بتغطية دولية.